برمجت دائرة الموسيقى للمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني المنتظر تنظيمه بالجزائر في الفترة الممتدة من 05 إلى 20 جويلية المقبل عدد من العروض والمهرجانات وإقامات الإبداع التي تنجز فيها أعمال موسيقية افريقية مشتركة إضافة إلى حفلات لتكريم عمالقة الفن بالقارة السمراء وعلى رأسهم الفنانة الراحلة مريم ماكيبا . ويأتي تكريم ماكيبا عرفانا لنضال هذه الزنجية الحسناء التي تحنّت بالدم وتسوّرت القيود وجالت كل أسقاع العالم لتكون صورة للحرية المسلوبة، إفريقيا بكل طقوسها الأسطورية بكل معمارها الفلكلوري والتي كثيرا ما تعلقت بالجزائر فكانت من ابرز المشاركين في الطبعة الأولى للمهرجان الثقافي الإفريقي بالجزائر سنة 1969 وغنت "انا حرة في الجزائر" بعدما قيد نظام التميز العنصري في جنوب إفريقيا في ذلك الوقت حريتها وجثم على صدور الملايين من أبناء وطنها. زينزلي مريم ماكيبا ولدت في جوهانسبيرج في 1932، والدتها سوازي سانقوما ووالدها توفي وهي في السادسة. كطفلة غنت لمعهد كيلميرتون فيبروتوريا، حينما أكملت الثامنة بدأت الغناء مع مجموعة أخوان مانهاتن قبل أن تنشئ مجموعتها الخاصة أسكي لاركز وغنت الجاز والموسيقي التقليدية الجنوب أفريقية. في 1959 قدمت موسيقي فليم "كينغ كونغ" وقد كسبت القليل من الدولارات عن كل عرض دون شروط حقوق الملكية، كانت متحمسة للذهاب إلي الولاياتالمتحدة وكان حضورها حينما بدأت عمل الفليم الوثائقي المناهض للعنصرية "كام باك افريكا" في عام 1959 سافرت ماكيبا بعدها إلي لندن حيث كانت قد لاقت هاري بلافونت الذي ساعدها في نيل الشهرة في الولاياتالمتحدة وأطلقت تسجيلاتها الشهيرة. وفي 1966 ماكيبا حصلت علي جائزة الجرامي أفضل تسجيل قومي مع هاري من خلال البوم سلط الضوء علي السود في ظل سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا أدركت ماكيبا أن جواز سفرها قد سحب حينما كانت تحاول العودة في 1960 لأجل جنازة والدتها في عام 1963 بعد الشهادة ضد الفصل العنصري من قبل الأممالمتحدة ألغيت مواطنتها وحق العودة لوطنها، حازت علي تسعة جوازات سفر ومنحت المواطنة الفخرية من عشرة دول، من بينها الجزائر حيث تؤكد بعض المصادر ان الرئيس الأسبق هواري بومدين منح الفنانة الإفريقية مريم مكيبا الجنسية الجزائرية سنة 1969 تكريما لها على تفانيها في تأييد القضايا الإنسانية العادلة. وهذا بعد مشاركتها في المهرجان الثقافي الإفريقي الأول بالجزائر وكانت تحمل بداخلها حبا كبيرا للجزائر وتعاطفا مع شعبها وكان هذا المهرجان مناسبة لهذه الفنانة كي تؤدي الأغنية الخالدة" أفريكا" في ثنائي مع الفنان الجزائري المعروف محمد العماري وهي الأغنية التي تصرخ بآهات ومعاناة وبؤس شعوب إفريقيا. استقطب ماكيبا اهتمام رؤساء الدول ممن حرصوا على حضور حفلاتها الوطنية"من بينهم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات الذي أثنى كثيرا على فنها الهادف وتأييدها الواضح للقضية الفلسطينية، إلى جانب رئيس ألمانياالشرقية الأسبق "هنكير" الذي رافقه للحضور سنة 1973 ضمن المهرجان العالمي للشباب. واصلت ماكيبا الغناء في أفريقيا وأوربا وأمريكيا الجنوبية وكانت واحدة من الأفرو-أمريكان المغنون في 1974 في المبارة بين محمد علي كلاي وجورج فورمان التي أقيمت في زائير. بعد وفاة أبنتها الوحيدة في 1985 إنتقلت لبروكسل في 1987 ظهرت في جولة وبعد ذلك بفترة قصيرة أصدرت سيرتها الذاتية . حثها نيلسون مانديلا علي العودة لجنوب أفريقيا، في عام 1990 بعد أن عاشت مريم في الولاياتالمتحدة في غينيا ولم تعد إلى وطنها إلا سنة 1991مع سقوط نظام الأبرتايد. ورحلت عن عمر يناهز 76 سنة في ايطاليا وتشاء الأقدار أن تغادر الفنانة الراحلة -التي تسلحت بالكلمة الحرة وبالنغمة المدوية والتي تجنست بجنسية الوحدة الإفريقية وغنت لكل من استعبدوا وثاروا وانتصروا- من ارض غير قارتها السمراء.