في الوقت الذي عرفت أغلب التكتلات الجهوية طريق النجاح، مازال الاتحاد المغاربي يراوح مكانه بعد 20 عاما من الإعلان الرسمي عن إنشائه• عوائق ومشكلات أدت الى تأزم الوضع بين دوله الخمس، ولم تسمح بتحقيق لا حلم الحكام ولا حلم المواطنين.. أي لا مغرب الحكومات ولا مغرب الشعوب وفق ماتقول به الأدبيات المعتمدة في المنطقة• تاريخيا، ظهرت فكرة الاتحاد المغاربي قبل استقلال تونسوالجزائر والمغرب، وتبلورت في مؤتمر جمع ثلاثة أحزاب مغاربية بمدينة "طنجة" بالمغرب عام 1958 وهي حزب الاستقلال المغربي والحزب الدستوري التونسي وجبهة التحرير الوطني الجزائرية أثناء فترة ثورة التحرير• وبعد استقلال الدول المغاربية ظهرت محاولات للتعاون الاقتصادي والتقارب السياسي بين هذه الدول، مثل إنشاء اللجنة الاستشارية الاقتصادية للمغرب العربي عام 1964 ، وبيان مدينة "جربة"بتونس للوحدة بين ليبيا وتونس عام 1974، ومعاهدة "مستغانم" بالجزائر بين ليبيا والجزائر، ومعاهدة الإخاء والوفاق بين الجزائروتونس وموريتانيا عام 1983• وكانت هذه بمثابة إرهاصات للاتحاد الذي تكرس ميدانيا في اجتماع قادة المغرب العربي بمدينة "زرالدة" في الجزائر عام 1988 من خلال بيان زرا لدة الذي حمل رغبة القادة في إقامة الاتحاد المغاربي• وتم الإعلان الرسمي عن قيام اتحاد المغرب العربي في 17 فبراير 1989 بمدينة "مراكش" المغربية من قبل خمس دول هي: المغرب والجزائروتونس وليبيا وموريتانيا، وتم توقيع الاتفاقية•• وقد جاء في وثيقة إنشاءالاتحاد أنه "يهدف إلى فتح الحدود بين الدول الخمسة لمنح حرية التنقل الكاملة للأفراد والسلع، والتنسيق الأمني، ونهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها "• ومن مبادئه أنه يضمن "تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض و تحقيق تقدم و رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها، والمساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف، وانتهاج سياسة مشتركة في مختلف الميادين، والعمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها• وتهدف السياسة المغاربية المشتركة حسب الاتفاقية إلى تحقيق جملة مبادئ تتمثل في الميدان الدولي في نشر الوفاق بين الدول الأعضاء، وإقامة تعاون دبلوماسي وثيق بينها يقوم على أساس الحوار• وفي ميدان الدفاع تهدف إلى صيانة استقلال كل دولة من الدول الأعضاء• وفي الميدان الاقتصادي تهدف الى تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء بإنشاء مشروعات مشتركة• وفي الميدان الثقافي تهدف السياسة المغاربية إلى إقامة تعاون يرمي إلى تنمية التعليم على كافة مستوياته، وإلى الحفاظ على القيم الروحية والخلقية والمستمدة من تعاليم الإسلام السمحة وصيانة الهوية القومية العربية عن طريق وسائل.. مثل تبادل الأساتذة والطلبة وإنشاء مؤسسات جامعية وثقافية ومؤسسات متخصصة في البحث • فماذا تحقق من هذه المبادئ ؟ وأين المشاريع المخطط لها في إطار الاتحاد المغاربي؟ وكيف هو حاله الآن؟• واقعيا، من أصل 27 اتفاقية تم التوقيع عليها لم ينفذ الاتحاد سوى 6 اتفاقيات• كما أن الهياكل الاقتصادية والاجتماعية وحتى البرلمانية التي تم تشكيلها في السنوات الأولى للاتحاد بقيت لحد الآن مجرد هياكل دون روح لأن قاطرة الاتحاد لم تتحرك منذ أكثر من 15 عاما، حيث لم تعقد قمة القادة المغاربة منذ عام 1995 فقد أعلن وزير خارجية المغرب في تلك السنة عن تجميد نشاطات ومؤسسات الاتحاد بعد أحداث فندق "أطلس أسني" بمراكش في العام 1994 التي قال المغرب إن وراءها فرنسيان من أصل جزائري واتهم صراحة الأمن العسكري الجزائري بالتخطيط لزعزعة استقرار المغرب، ثم قام بفرض التأشيرة على الجزائريين.• فكان الرد الجزائري بفرض التأشيرة وبغلق الحدود• وفي عام 2002 تحدث مسؤولون في الحكومة المغربية عن عدم مشاركة الملك محمد السادس في القمة التي كانت ستعقد في الجزائر في ذلك العام، فطلبت ليبيا تأجيل القمة ولم يتم عقد تلك القمة المعلقة إلى حد الآن••• ليست قضية الصحراء الغربية هي السبب الوحيد لتأزم العلاقات الجزائرية المغربية، ففي واقع الأمر لم تكن هذه العلاقات في أي يوم علاقات جيدة وهادئة، بدليل أن المغرب شن حربا على الجزائر في عام 1963 ولم تكن آنذاك قضية الصحراء الغربية مطروحة أصلا، بل إن المغرب لوح آنذاك بما أسماه ب "الحق في استرجاع الأراضي المغربية"• فبمجرد استقلال الجزائر أخرج معاهدة "لالة مغنية" التي وقعها مع فرنسا في العام 1845 والتي تنص على الحدود بين المغرب وتركيا وقال إنها هي الحدود الحالية بين المغرب والجزائر• في حين أهمل الاتفاقيتين اللتين وقعهما بعدها مع فرنسا في العامين 1901 و1902 ولم يأخذ بهما رغم أنهما تنصان على الحدود بينه وبين الجزائر• وحسب المغرب، فإن الاتفاقتين تركت منطقة تندوف غامضة• إضافة إلى هذا لم يلتزم المغرب بالحدود الموروثة عن الاستعمار كما تنص مواثيق "منظمة الوحدة الافريقية" أو الاتحاد الأفريقي حاليا• فالمغرب نال استقلاله الذاتي في عام 1956 ولم يطالب بتندوف حتى استقلال الجزائر في عام 1962• وقد أدت مطالبة المغرب بمنطقة تندوف وفشل المفاوضات التي جرت بين الوفدين المغربي والجزائري، الذي كان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أحد أعضائه، إلى تأزم الوضع بين البلدين خاصة بعد اكتشاف الحديد في المنطقة، مما أدى الى مواجهات مسلحة بين جيشي البلدين في شهري أوت وسبتمبر 1963 فيما اصطلح على تسميته ب "حرب الرمال" تلتها بعد ذلك صدامات عسكرية أخرى في عام1967 وعلى إثر ثلاث جولات من المفاوضات تم التوقيع في عام 1972 على معاهدة حول الحدود الجزائرية المغربية نصت على اعتراف المغرب بجزائرية منطقة تندوف مقابل المشاركة في إنتاج وتسويق الحديد الموجود فيها، وحتى هذه الاتفاقية سجل المغرب عليها تحفظات بعد ذلك، مع الاشارة إلى أن الحديد الموجود هناك لم يستغل حتى الآن• وأصبحت القضية الصحراوية هي القشة التي يتمسك بها المغرب ليبرر نظرته العدائية للجزائر، فبعد اتفاقية مدريد والمسيرة الخضراء التي احتل بموجبها الصحراء الغربية في عام 1975 ومباشرة بعد الإعلان عن ميلاد الجمهورية الصحراوية شن المغرب هجوما على الجزائر عرف ب "امفالا 1" توبع برد جزائري عرف ب "امفالا 2" وقد قتل وأسر في الهجومين جنود من الطرفين ولم ينته النزاع المسلح بينهما إلا بعد وساطات عربية وإفريقية• وفي مارس 1976 تم قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين لمدة 12 سنة حتى عام 1988 وطيلة تلك السنوات كانت الحدود مغلقة، كما تم نزوح كثير من المواطنين الموجودين في البلدين سواء بسبب الخوف أوالطرد• وهو الحال الساري الآن• في الذكرى ال 20 لتأسيسه التي مرت منذ أيام، مازال نشيد الاتحاد المغاربي لم يعزف• ولم يتحقق حلم كاتبه الشاعر الجزائري محمد لخضر السايحي، وملحن موسيقاه التونسي سمير العقربي.• ليبقى النشيد يتطلع إلى حلم لم يتحقق كما يقول في مطلعه: حلم جدي حلم أمي وأبي ** حلم من ماتوا وحلم الحقب فانشروا رايته خفاقة ** وارفعوها فوق هام السحب واهتفوا يحيا اتحاد المغرب حلم جميل وكلمات أجمل منه، ولكن للأسف مازالت لم تعرف طريقها الى الواقع•