الحكومة تواجه صعوبات جدية في إنهاء ظاهرة الهوائيات المقعرة.. وعدد هذه الهوائيات وصل إلى 20 مليون هوائي مقعر..! أي هو نفس عدد الناخبين والناخبات الذين يقررون مصير المؤسسات الدستورية في البلاد! الحكومة على حق، فالهوائيات المقعرة لا تشوه وجه المدن فقط، بل هي أيضا تحول المدن إلى مدن مكسوة بالقصدير الأبيض! ومنظر العمارات يظهر للجميع وكأنها عمارات تنبت الفقاقيع..! والفقاقيع عادة لاتنبت إلا في القمامات الحيوانية، أكرمكم الله..! هذه الصورة التعيسة التي أصبحت عليها مدننا كان نتيجة لتهاون الحكومة مع هذه الظاهرة استمر 20 سنة كاملة ! و20 سنة من التهاون مع الظاهرة أنتج مشكلة حجمها في الواقع يعادل أو يزيد 20 مليون مشكلة! نتذكر أنه في بداية الثمانينيات عندما طرحت المشكلة غلف طرحها بمسألة الحرية التي يجب أن تعطى للجزائريين كي يتواصلوا مع العالم الخارجي.. وأن التضييق على ظاهرة انتشار الهوائيات المقعرة هو تضييق على الحرية الفردية للمواطن الجزائري!فرنسا بلد الحرية عندما طرحت عليها المشكة عالجتها بحكمة المتحضرين.. فقالت إن الحرية لا تعني تشويه وجه المدن بالمقعرات وسنت قوانين لا تسمح للمواطن الفرنسي بتركيب الهوائي المقعر في أماكن ترى من الفضاء العام.. أي أن حرية المواطن تنتهي حيث تبدأ الحرية العامة للمجموعة الوطنية الفرنسية! وفرضت فرنسا على المواطن الذي يريد تركيب الهوائي المقعر أن يستخرج رخصة من البلدية وأن تتم عملية التركيب وفق القانون الذي لا يسمح بالطبع بتشويه المنظر العام! عندنا ترك الحبل على القارب كما يقال.. حتى أصبحت الجزائر أول بلد "مقعرة" في حوض البحر المتوسط نتيجة السياسة المقعرة التي طبقتها الحكومات المتعاقبة على البلد في هذا المجال! لم يكف الجزائر المسكينة إغراق مدنها في موضوع "الشيفون" المنشور على واجهات العمارات، ولا يتورع السكان في نشر الملابس الداخلية على شرفات شارع ديدوش مراد والعربي بن مهيدي..! فزادت الهوائيات المقعرة الطين بلة! الآن وقد تحولت الهوائيات المقعرة إلى صناعة وتجارة وخدمات لها ارتباطات وثيقة بمصالح فئات نافذة في السلطة.. وتجني هذه الفئات من النشاط التجاري والصناعي لتسويق هذه المنتجات المرتبطة بالهوائيات المقعرة.. أكثر مما تجنيه شركات الهاتف النقال مجتمعة..! فلا يوجد في الجزائر أكثر من 20 مليون مشترك في الهاتف النقال..في حين يوجد في الجزائر أكثر من 20 مليون هوائي مقعر.! من هنا تكون الحكومة على حق حين تخاف على شبيبتها إذا واجهت هذه الظاهرة بما يتطلبه الأمر من الجدية في المعالجة! وأكثر من هذا فإن معالجة هذه الظاهرة أكبر من أن تسند إلى البلديات أو الولايات..! بل الأمر يتطلب إجراءات تتعاون فيها كل أجهزة الدولة.. لأن الظاهرة أصبحت بحكم المحنة الوطنية تتجاوز آثارها مستوى البلديات والولاية! ينبغي أن نبدأ المعالجة بتحسيس الجزائريين بخطورة الظاهرة على المحيط العام للمدن.. وآثار ذلك على الأداء السياسي والجمالي للبلد! وأن تتم عملية معالجة القضية بتشريع يقمع الظاهرة.. ولا يعاقب المواطن.! وأن يراعي فيه مسألة التدرج في التطبيق! لابد أن يفهم الجزائريون بأن ظاهرة الهوائيات المقعرة بالصورة التي هي عليها الآن لا تشرف لا البلد ولا السكان! هذا هو حجم المشكلة في جانبها المادي الجمالي السياحي، أما حجمها في الجوانب الأخرى فخطورتها أكبر بكثير! فالهوائيات المقعرة هي التي جعلت الشباب الجزائري يعيش الحياة الإفتراضية الموجودة خلف البحر وربما كانت الهوائيات المقعرة إحدى الأسباب التي دفعت بالشباب إلى البحث عن الجنة وركوب البحر في صورة حرفة! والهوائيات المقعرة هي التي ساهمت في تدمير جانب من الأخلاق الإجتماعية للعديد من الجزائريين ودخلت قيما جديدة في الحياة العائلية للجزائريين.. فأصبحت رؤية الصورة الخليعة من طرف المحارم مسألة عادية بعد أن كانت عارا وشلنار! لكن كل هذا كوم وكوم تحنيط التلفزة الجزائرية في العصور الإعلامية الوسطى الذي ساهم أيضا في النزوح الجماعي للجزائريين نحو المقعرات هروبا من الرداءة التي تمارسها التلفزة اليتيمة على الجزائريين! وإذن، فإن أمر معالجة مسألة المقعرات هو بالفعل مشكلة أكبر من البلديات والولايات.. وأكبر من الأمن والحكومة.. بل هو قضية دولة بأكملها.. وبمختلف أجهزتها!