بينما نحن متوجهون إلى مدينة تيبازة بهدف اختيار مرفق سياحي يعتاده السياح والزوار، في حدود الساعة الحادية عشر صباحا، قضينا مدة تقارب الساعة من الزمن ونحن عالقون في زحمة السيارات غير المنتهية التي أصبحت سمة الطريق الوطني رقم 11 عند محوره الرابط ما بين بلدية خميستي ميناء وبلدية بوهارون في الناحية الشرقية لولاية تيبازة•• في ظل عدم بعث مشروع الشطر الثاني للطريق السريع الذي يربط بوسماعيل بشرشال• هذا المشكل أثار قلق واستهجان غالبية المواطنين الذين كانوا على متن السيارات متوجهين إلى أحد الشواطئ الخلابة التي تمتاز بها تيبازة لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، ما جعل بعضا منهم يفضلون إلغاء العطلة والرجوع إلى بيوتهم أو تغيير الوجهة ربما إلى الجزائر العاصمة أو حتى إلى شاطئ دواودة البحرية• وأخذت عقارب الساعة في الدوران بسرعة عكس سير حركة المرور، فالساعة تشير إلى الثانية عشر وخمس دقائق ونحن لازلنا لم نتخط بعد حدود بلدية خميستي، وبعد مرور نصف ساعة أخرى وجدنا أنفسنا أمام منظر قليل فقط من يسعده الحظ عبر تراب الوطن أن يشاهد مثله• فعلى اليمين يظهر لك زبد البحر الذي يبعث على الهدوء والسكينة ويمتد بصرك حتى تقع عيناك على خليج ''شنوة'' الشهير، على بعد مسافة 20 كلم من مدخل منطقة ''السعيدية''• وعلى يسارك تتجلى قدرة الخالق في رسم صورة غابة ''السعيدية'' بأشجارها النادرة وشموخ جبالها، ما يبعث في نفسك إحساسا بالراحة والأمان والسعادة• وما يجعل عقلك شارد التفكيربعيدا عن هموم الدنيا وعن واجباتك اليومية اتجاه عملك وعائلتك•• هو ذلك الشعور الذي ينتابك وأنت تدرك أن الأمر الوحيد الذي يفصل بين زرقة الشاطئ يمينا وبهاء الغابة شمالا ما هو سوى الطريق الذي أنت تسير عليه• وما لاحظناه هو أن الزحمة الكبيرة التي شهدها الطريق الوطني رقم 11 سببها توافد وإقبال الكم الهائل من العائلات الجزائرية على المنطقة، حيث أحصينا ما يفوق المائة سيارة مركونة على حواف الطريق، وهو الأمر الذي جعلنا نفضل قضاء ما تبقى من يومنا رفقة العائلات التي اتخذت من حطب الغابة وسيلة لإيقاد نار بسيطة تمكنهم من شواء السمك لأطفالهم، وألغينا رحلتنا إلى مدينة تيبازة• المكسرات والشاي الصحراوي متعة الزائرين أول ما يلفت انتباهك وأنت تضع قدميك على أرض منطقة ''السعيدية'' التي تحولت في ظرف زمني وجيز إلى أكثر من وجهة سياحية، بعدما ظلت خلال سنوات الجمر يدخل اسمها الرعب والفزع في نفوس أبناء المنطقة بسبب ما خلفه الإرهاب من ضحايا و خراب• فزيادة على الرائحة المنعشة المنبعثة من أشجار الصنوبر ورائحة البحر، فإن رائحة أفران الباعة المتجولين وهم يحمصون الفول السوداني واللوز والذرة وبجانبهم معدو الشاي الصحراوي المعطر لا تترك أمامك أي إمكانية لمقاومة الرغبة في التذوق• وحيثما وليت وجهك تقابلك عائلات قد نصبت فراشا على الأرض أو على موائد خشبية وحطت عليها أشهى الأغذية، وهناك من حملوا معهم حتى آلات الشواء التي تنبعث أدخنتها من كل جانب، يتفنن أصحابها في طهي شتى أنواع السمك والدجاج والنقانق• العائلات، وفي حديثها معنا، كشفت لنا أن توقيت عطلة نهاية الأسبوع لم يعد التوقيت الوحيد الذي تشد فيه رحالها باتجاه ''السعيدية'' في بوهارون قصد الترويح عن النفس من زحمة المدن وضجيجها، بل تحولت كل أيام الأسبوع إلى مزار لها لاكتشاف الكنوز الطبيعية والتمتع بمناظرها، خاصة في هذه الأيام من عطلة الصيف•