خاصة الأصغر سنا منهم، ليسدوا أفواها جائعة تنتظر آخر الليل، إلا أن أصحاب سيارات الأجرة غير الشرعيين، أو كما يطلق عليهم ''الكلوندستان''، كثيرا ما يحصدون ما زرعه هؤلاء خلال اليوم، في مشهد مأساوي يفوق ما نقرأه في كتاب ''البؤساء''• ليس غريبا أن تشاهد شبابا جالسين على حافة الطريق وأنت عائد إلى بيتك رفقة أسرتك في سيارتك، بعد يوم هادئ قضيته بمعية أولادك في شاطئ من شواطئ تيبازة الخلابة، يبدون لأول وهلة كأنهم ينتظرون شخصا يقلهم إلى منزلهم أوكأنهم من سكان المنطقة الأصليين، لكنهم ''غرباء'' في وطنهم خائفون ينتظرون مصيرا مجهولا يهددهم• يقول سمير 23 سنة، من سكان مدينة الورود البليدة، صادفناه رفقة ثلاثة من أصدقائه، في حدود الساعة الحادية عشر ليلا، والذي روى لنا كيف وقع ضحية احتيال سائق سيارة ''كلوندستان'' ينحدر من ضواحي البليدة، وعند سؤالنا له عن تفاصيل عملية الاحتيال، أجاب بنبرة الأسى والضياع، بأنه لم يكن يتصور يوما سيقضي ليلة كاملة في العراء في منطقة لا يعرف أحدا من أهلها، خاصة وأنه طالب جامعي و''ابن عائلة'' على حد تعبيره• وأضاف المتحدث أن سائق الأجرة الذي دفع له ثمن 800 دج مسبقا، والذي تواعد معه على الساعة السابعة مساء عند مخرج شاطئ ''السويس'' بمنطقة عين تفورايت، لإعادة نقله وأصحابه إلى البليدة، أغلق هاتفه النقال ولم يعد بإمكانه الاتصال به رغم إلحاحه على ذلك ابتداء من الساعة السادسة مساء، مما جعله يقف على حافة الطريق الوطني الذي يشهد حركة كثيفة في المرور أملا في أن يتوقف له أحد، أو ربما فاعل خير قد ينقلهم إلى وجهتهم• فما كان علينا سوى أن نودع سمير وأصحابه ونتمنى لهم العودة في أقرب الآجال، لنتجه إلى شاطئ ''الكوالي'' الواقع عند المدخل الشرقي لبلدية تيبازة، هنالك اكتشفنا واقعا أكثر تعقيدا حين اتجهنا إلى عائلة متكونة من أسرتين بينهم ثلاثة نسوة، شيخ وأطفال، جالسين على الكراسي الصغيرة المخصصة للشواطئ على بعد 4 أمتار فقط من الطريق المؤدي إلى عين تفورايت ومن ثم إلى العاصمة• فقمنا بسؤالهم عن سبب تواجدهم بهذا المكان الذي تنعدم به الإنارة العمومية في هذه الساعة المتأخرة من الليل، إذ كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية عشر ليلا ونصف، فكان الجواب مطابقا لجواب الشباب القادمين من البليدة على لسان محمد الرجل الوحيد المرافق لهذه العائلة، إلا أن الفارق كان في جواب صاحب المركبة النفعية الذي أتى بهم صباحا إلى الشاطئ وأخذ أجرته مسبقا، والتي يستغلها صاحبها في عطلة نهاية الأسبوع في الاسترزاق عبر امتهان مهنة ''كلوندستان''، حيث اعتذر هذا الأخير لمحمد قبل أن يغلق هاتفه النقال بقوله إنه لا يمكنه القدوم إلى شاطئ من مدينة شرشال، كون حركة المرور على مستوى الطريق تشهد اختناقا كبيرا عند كل النقاط، خاصة مع تكثيف الحواجز الأمنية المعززة، مما قد يستغرق مدة 5 ساعات على الأقل للقدوم إلى عين المكان، واقترح عليه أن ينصب خيمة ويبيت في الشاطئ إلى غاية الصباح أين وعده بأنه سيأتي لنقله إلى المنزل، وهو الأمر الذي رفضه محدثنا مما جعله يتصل به مرارا وتكرارا، لكن السائق لا يرد•• حتى انتهى بغلق هاتفه الجوال• ويقول شاب من بلدية القليعة يبلغ 17 سنة، وجدناه على مقربة من عائلة محمد، أن صاحبه قد تعرض لاعتداء بالأسلحة البيضاء قبيل قدومنا بدقائق قليلة، حيث أنهما كانا يوقفان السيارات المارة بهدف نقلهم إلى أقرب نقطة من القليعة، ليكملوا ما تبقى من مسافة سيرا على الأقدام، لتتقدم منهما مجموعة من الشباب، يقول ذات المتحدث أنهم يبدون من سكان المزارع المجاورة وطلبوا منهما سيجارة فردا عليهما ''لا نملك سيجارة فنحن لا ندخن''، فقال أحدهم ''أحتاج إلى ولاعة'' فأعقب صاحب الشاب بلهجة مشددة ''سبق وأن أعلمناكم أننا لا ندخن''، فثارت ثائرة الجماعة وأخرجوا أسلحة بيضاء هددوهما بها وطلبوا منهما أن يضعا كل ما يملكان من هواتف نقالة ونقود، ليدخلوا بعدها في عراك عنيف تسبب في إصابة الشاب القادم من القليعة بجروح على مستوى اليد، بعدما ضربه المعتدي بسكين ليلوذ وجماعته بالفرار عبر البساتين مستغلين الظلام في فرارهم •