قالت لي ياسمين المتهمة في قضية ابراهيم حجاس، إنها كانت تحضر لإمضاء عطلة الصيف في البرازيل، لكنها فوجئت بتوريطها في هذه القضية، رغم أنها لم تكن لها يد في صفقة أراضي بوشاوي، ولأن حجاس الذي يحمل الجنسية الكندية إلى جانب الجزائرية قد فر إلى كندا، ولأنها كانت هي مساعدته في المؤسسة، وجدت نفسها تتحمل كل تبعات القضية، ويلقى بها في السجن أين تقبع رفقة الموثقة منذ أزيد من ستة أشهر، ومازالت تنتظر الإنتهاء من التحقيق والمحاكمة، والغد المجهول• ياسمين كانت هي دليلي في ساحة السجن فهي التي أطلعتني على الكثير من الخبايا، وساعدتني على فهم التصرفات التي ما كنت لأنتبه إليها في فترة قصيرة، فمرة كنا جالسات جنب الحائط، وفجأة دخلت فتاتان في مقتبل العمر وضعتا رهن الحبس الاحتياطي على ذمة التحقيق ، وتهمتهما أنهما جاءتا لزيارة أختهما السجينة، رفقة ابنة لها، لكن هذه الأخيرة كانت تخفي هاتفا نقالا وتنوي أن تعطيه لأمها خلال الزيارة؟؟ لتكلم أبناءها الأخرين، ولأن الهاتف ممنوع في السجن، فقد قبض على الخالتين وترك سبيل البنت لأنها قاصر• قالت لي ياسمين، ''أنظري إلى تلك التي تلبس الجبة الصفراء، أنظري كيف اقتربت من الفتاتين، وكيف تنظر لهما، فسألت: لماذا هي تفعل ذلك؟ قالت إنها تدير بيتا للدعارة، وهي هنا متابعة في قضية دعارة وإغراء وتستغل فرصة وجودها في السجن ''لتوظيف'' الفتيات الشابات المحكوم عليهن لمدة قصيرة، فهي تعطيهن أرقام هاتف وعناوين، مع العلم أنها ليست المرة الأولى التي تدخل السجن، هي داخلة خارجة، آخر مرة جيء بها رفقة مجموعة من الفتيات اللائي غرّرت بهن، ومهن ابنة أختت صحفي بالتلفزيون• إذن لم يعد السجن مكانا لإعادة التربية قلت• طبعا لا، فالفتيات يدخلن بتهم السرقة مثلا ويخرجن بمساوئ أخرى كالسحاق، والدعارة خاصة إذا سقطن في يد نساء مثل هذه، هذا دون أن أنسى استغلالهن من طرف الحاجبات في التجسس على باقي السجينات وإتيانهن بأخبارهن• ياسمين نصحتني بأن أكلم ''كوشمار'' وهي سجينة محكوم عليها بالمؤبد لأنها قتلت زوجها بمساعدة عشيقها، وكوشمار هي فتاة تربت في أحضان مركز الطفولة المسعفة، وأم لثلاثة أطفال، تزوجت على الرصيف، أما السجن فهو نعمة لها وبه وجدت الملجأ والمعاش، أما لماذا سميت بكوشمار فلأنها في أيام سجنها الأولى كانت تعاني من الكوابيس، وكانت تكثر من الصراخ، فأطلق عليها اسم ''كوشمار''، لكن كوشمار رفضت الكلام فاحترمت إرادتها ربما لأن هذا يؤلمها• لم أضحك مثلما ضحكت بالسجن راضية دخلت قبيل رمضان إلى السجن وهي إحدى ''بطلات'' قصص الصحافة الوطنية، فهي ''مجرمة'' القبة التي قتلت ابن أخيها، وفي الحقيقة أن راضية تعاني من مشاكل نفسية واضطرابات عميقة، فسبق لها وأن عرضت نفسها للضرر عندما أكلت ''الدي دي تي'' (غبرة الفأر) في علبة ياغورت فوجدت نفسها في المستشفى، وأجريت لها عملية غسيل معدة، مثلما كانت تعذب ابنتهيا، ومرة افتك الجيران ابنتها من بين يديها وكانت ستذبحها بالسكين• أما كيف قتلت راضية ابن أخيها ذي الثماني سنوات، والذي تقول إنها كانت تحبه، فتقول إنها أخذت سيارة أجرة وذهبت لانتظاره أمام مدرسته، وعندما رآها فرح وقال لها ''عمتي جيتي تديني'' فقادته إلى بيتها، وأمام مرأى ابنتها الصغيرة ربطت يديه ورجليه وأجلسته أمامها، ووضعت في رقبته حزاما جلديا وأخذت تجذب عليه بقوة حتى مات فارتاحت تقول، وكانت ابنتها تصرخ ''ماما حرام عليك علاش تقتليه، فرمقتها بنظرة، وقالت لها عاهديني ألا تقولي لأحد ما حدث، فوعدتها ابنتها، وتقول راضية إنها كانت طوال الليل تقول لابنتها ''من عاهد'' فتقول ابنتها ''أوفى'' و''من أوفى'' ترد الفتاة ''دخل الجنة''• وبعدها وضعت جثة الطفل في حقيبة وأخفتها عن زوجها الذي دخل البيت متأخرا لأنه أمضى الليل رفقة والد الطفل الضحية، يبحثون عنه في كل مكان، وفي صباح الغد جعلت راضية زوجها يقسم بألا يبوح بسرها، قبل أن تريه الحقيبة والجثة، وبعدها أبلغ والد الضحية الذي أبلغ الشرطة، وهو ما كلف زوج راضية السجن هو الآخر، في جناح الرجال بالحراش وهي في جناح النساء تمضي وقتها بالأشغال اليدوية والنسيج• راضية تروي تفاصيل جريمتها بكل برودة وبلسان ثقيل بفعل المسكنات التي تتناولها وتقول ''لا لم أندم، تحبي يا أختي أكذب عليك؟ لا أحس شيئا، تضيف أن الصحافة لم ترو قصتها بصورة صحيحة''• أما لماذا ضحكت من قصة راضية فهي عندما روت تفاصيلها ''للمزابية'' التي قتلت منذ قرابة الثلاث سنوات زوجها بحي دالي ابراهيم بمساعدة ابنتها وخطيبها وقطعته بالمنشار ورمت كل جزء في جهة، وكانت راضية تروي تفاصيل الجريمة و''المزابية'' ترد ''يا لطيف يا لطيف'' وتكرر هذا مرات ومرات• فصرخت راضية قائلة: ''واش نسيتي أنك قطعتيه بالمنشار وأين حطيتي يديه''• وهو السؤال الذي كان يطرحه القاضي الذي حاكم المزابية لأنها لم تعثر على يدي زوجها ونسيت أين دفنتهما، المزابية الآن أصيبت بالعمى بعد ثلاثة أشهر فقط من سجنها، وقيل إنها تساوم حاليا خطيب ابنتها ليسحب أقواله ويشهد أنه وحده من قام بالجريمة مقابل المال!! ضحكت كثيرا من الحديث الذي دار بين هاتين السجينتين، واستعنت بهذه الطرافة لأخفف من روعة أخي الذي جاء في أول زيارة، وكانت الدموع تنهمر من عينيه، لأنه لم يتحمل أن يراني خلف القضبان، ولم يتمالك هو الآخر نفسه فضحك وودعني وهو يضحك ملء شفتيه، وكانت هذه طريقتي في استقبال أهلي خلال الزيارات، فقد كنت أروي كل مرة على مسامعهم كل ما أضحكني بالسجن، وأقسم لهم أنني بخير، وأنني أنام ملء جفوني• وفعلا كنت كذلك، حتى أن آثار التعب واللون الداخن الذي كان حول مقلتي قد اختفى، ومثلما كنت استمتع بحكايات السجينات نهارا كنت أقرأ قبل النوم حتى أنني قرأت ثلاث كتب منها كتاب "الأرواح الميتة" للكاتب الروسي غوغول و قصة "لوكراس بورجيا ابنة البابا" و كتاب لألكسندر دوما. يتبع ...