كشف رئيس الاتحاد الوطني لمقاولي البناء والعمران، أحمد بن قعودة، أن أعوان الإدارة ومقاولين وهميين وراء ارتفاع أسعار الإسمنت خلال الأشهر الأخيرة، وأن تصريح الوزير الأول أحمد أويحيى مؤخرا، بشأن استيراد كمية مليون طن من الإسمنت التي تدخل إلى الجزائر قريبا، خلط حسابات المضاربين و''البزناسية'' وعجل بتخفيض أسعار الإسمنت إلى 400 دينار خوفا من كساد الكميات التي كانوا سيشترونها داخل المخازن· حاوره: نبيل ق·ج كما تطرق ذات المتحدث في حواره مع ''الفجر'' إلى أن 70 بالمائة من الشركات الأجنبية تشترط على المقاول الجزائري إحضار عتاد فعال وجديد، لاسيما الصينية منها، والتي تتحايل وتغش ويستفيد المقاولون الجزائريون من ''فتات'' هذه الأخيرة· نبدأ من ارتفاع أسعار مادة الإسمنت، التي تراوح سعرها ما بين 600 و700 دينار خلال الأشهر القليلة الماضية، في رأيكم ما أسباب هذا الارتفاع، ومن يقف وراء المضاربة ؟ في بادئ الأمر أريد أن أوضح أمرا هاما بخصوص هذه القضية، وهي أنه وقت الذروة لما انطلقت أهم المشاريع في قطاعي الأشغال العمومية والسكن، وأقصد هنا مشروع الطريق السيار ''شرق-غرب'' وبرنامج مليون وحدة سكنية، لم يشتك القائمون على المشاريع من ندرة الاسمنت أو ارتفاع سعره، ولا حتى المقاولين، غير أنه خلال العام الجاري، ومنذ شهر أفريل وإلى غاية شهر أوت المنصرم، برز إلى السطح مشكل نقص مادة الإسمنت وغلاء سعرها ما بين 600 و700 دينار، وأحيانا وصل إلى 800 دينار للكيس وطالتها المضاربة، والسبب هو أن بعض أعوان الإدارة ومقاولين وهميين يحوزون على سجلات تجارية اغتنموا الفرصة وانتهزوها لصالحهم من أجل الثراء الفاحش والربح السريع بغير حق على حساب تعطل المشاريع وتأخرها، والضحايا هم المقاولون الحقيقيون الذين دفعوا ثمن تبعات جشع هؤلاء الأشخاص· هل في اعتقادكم أن قرار الحكومة باستيراد مليون طن من الإسمنت سيحل المشكلة ويقضي على الأزمة؟ القرار الذي اتخذته الحكومة بشأن استيراد مليون طن من الإسمنت لا يكفي، ونحن نطالب بمضاعفة الإنتاج عبر المصانع، لأن الإنتاج الوطني الذي يقدر بقرابة 19 مليون طن في السنة وحده كفيل بالقضاء على الندرة التي تجعل الأسعار ترتفع مما ينجر عنه شبكات ''بزناسية'' تتحكم في السوق، لكن تصريح الوزير الأول، أحمد أويحيى، مؤخرا بأن كمية مليون طن من الإسمنت ستصل قريبا إلى الجزائر عجلت بتخفيض الأسعار التي بلغت مستويات قياسية منذ 6 أشهر ما بين 400 و450 دينار، لاسيما بعد إجراءات تحديد هامش الربح التي أعلنتها وزارة التجارة، كما أن تصريح أويحيى أخلط حسابات مافيا ''الإسمنت''، وجعلهم لا يجازفون بشراء كميات كبيرة من المصانع ووحدات التوزيع مخافة تكدسها في المخازن بسبب الأسعار التنافسية التي يباع بها الاسمنت المستورد· ولكن، ألا تظنون أن تشديد عمليات الرقابة والزيارات التفتيشية لمصانع الإسمنت ووحدات توزيعه يقلل ويحد من هذه العمليات المشبوهة للمضاربين؟ بالفعل، طالبنا في العديد من المرات وكلما سمحت لنا الفرصة من وزارة التجارة وكل الهيئات المختصة، والتي على صلة مباشرة بأزمة الإسمنت بتكثيف عمليات المراقبة والتفتيش ومعاقبة المتورطين دون استثناء، كانوا مسؤولين بالمصانع ووحدات التوزيع أو حتى مقاولين وسائقي شاحنات، إن ثبت تورطهم في ذلك، وأثمرت الجهود التي قامت بها ذات المصالح، وخير دليل على ذلك، توقيف مدير مصنع الإسمنت بولاية الشلف بمعية ابنه بسبب تورطهما في القضية، وهذا يدل على أن مكمن الضرر يوجد داخل الإدارة كما سبق وأن ذكرت، لأن المقاول لما يتقدم بطلبه من أجل اقتناء الإسمنت يأخذ كميته بدقة، مثلا 20 مترا مكعبا تستلزم 7 أكياس، بمعنى أن المقاول بحاجة إلى 140 كيس فقط، وإن زاد عليها فإن مصالح الضرائب ستكون له بالمرصاد من خلال الكمية المخزنة الإضافية، والتي تظهرها الفاتورة· هيئتكم تمثل الآلاف من المقاولين في الجزائر، ما هي قراءتكم لقانون المالية التكميلي لعام 2009؟ بكل صراحة قانون المالية التكميلي لعام 2009 جاء لحماية الاقتصاد وتشجيع الإنتاج الوطني، لاسيما قضية القروض الاستهلاكية التي خدمت كثيرا الشركات الأجنبية، وبالخصوص وكلاء السيارات· عجبا، ترى جزائريين يقطنون في الأكواخ والبيوت القصديرية وتجدهم متلهفين على القروض لشراء السيارات· في سياق آخر، نجد أن قانون المالية التكميلي لعام 2009 تضمن إجراء مجحفا في حق المقاولين أصحاب المحاجر والمرامل، بمنعهم من استيراد واقتناء العتاد المستعمل والآلات القديمة المخصصة للحفر من بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، فرنسا، إيطاليا، بلجيكا وإسبانيا بأسعار مناسبة، ما هدد العديد منهم بالإفلاس وغلق المحاجر والمرامل وتسريح العمال، كما سيؤثر ذلك على أسعار الحصى والحجارة والرمل وسيرفع منها مثل الإسمنت، ونددوا بذلك الإجراء الذي صدمهم وجاء فجأة هكذا ودون سابق إنذار، ما يجعلهم مجبرين على اقتناء العتاد الصيني غير الفعال، والذي لا ينفع لمثل هذه الأشغال كونه لا يخضع للمقاييس، بالإضافة إلى أن إجراءات شراء مثل هذه الآلات تطول لمدة تقارب 6 أشهر، وهم ملزمون بدفع 30 بالمائة من الكلفة الإجمالية للآلة· وكان من الأجدر على الحكومة ومنظمات أرباب العمل التي تمثل المتعاملين الاقتصاديين تبليغ وإعلام المعنيين (أصحاب المحاجر والمرامل) بهذا الإجراء لاتخاذ الترتيبات اللازمة لذلك، لأن العديد منهم قدموا طلبات باقتناء عتاد وآليات بالملايير لاتزال تنتظر في الخارج· وعلى من يقع اللوم في مثل هذه الحالات؟ اللوم هنا يقع على الباترونا ''منظمة أرباب العمل'' التي وبالرغم من المقترحات التي يقدمها لهم الاتحاد، إلا أنها لا تؤخذ بعين الاعتبار، وهو ما يعتبر تمييزا وإقصاء ممارسا من طرف الحكومة وأرباب العمل، وحتى بالرغم من أنها منظمة تمثل المتعاملين الاقتصاديين، لكن الواقع أثبت العكس، كما أن بعض الفيدراليات لا تملك الاعتماد يسيرها متقاعدون يمثلون أنفسهم فقط ولا يحوزون حتى على السجلات التجارية، ولكن يستغلون النفوذ والسلطة بمساعدة أصحاب المصالح، وتمكنوا حتى من الظهور على التلفزيون وتكلموا باسم المتعاملين الاقتصاديين، لكن ذلك غير صحيح، ونطالب وزارتي العمل والداخلية بفتح تحقيقات معمقة حول كيفية الحصول على الاعتماد من أجل وقف نشاط هؤلاء الأشخاص· غالبية المقاولين الجزائريين يشتكون من عراقيل الإدارة والصعوبات التي يواجهونها لدى تنفيذهم للمشاريع، عكس الشركات الأجنبية، كيف ترون ذلك؟ وهل حظوا بفرصة إنجاز مشروعي الطريق السيار ''شرق-غرب'' والمليون وحدة سكنية؟ بالفعل، هناك العديد من المقاولين المنخرطين تحت لواء الاتحاد الوطني لمقاولي البناء والعمران، الذين يقارب عددهم الألف على المستوى الوطني، تواجههم صعوبات كثيرة وفي مقدمتها التمييز والإقصاء الممارسين عليهم من قبل الإدارة في كل شيء ودون استثناء في تحضير المشاريع والتصاميم من طرف مكاتب الدراسات، توفير ظروف العمل المريحة ماديا أو معنويا، التأخر في تسديد فواتيرهم، والتي يفترض أن تدفع في أجل أقصاه 35 يوما حسب قانون الصفقات العمومية· لكن ذلك في الجزائر يعد ضربا من الخيال، فهناك من لم يتقاض مستحقاته المالية منذ عام ,2003 بالإضافة إلى الشروط التعجيزية التي جعلتهم يعزفون عن المشاركة في إنجاز الطريق السيار ''شرق-غرب'' بسبب دفتر الشروط التقني المثقل، عكس الشركات الأجنبية العاملة فيه، والتي وجدت كل الشروط مناسبة، بدءا من الفوز بالمناقصة حتى النزول إلى الميدان من أجل الإنجاز، وصارت تتحكم في المشاريع، ونحن لا نظفر إلا بالفتات منها· لكن لا يجب أن نغفل شيئا هاما ودون أن ينسى العام والخاص بأن المهندسين والتقنيين المشرفين على الطريق السيار ''شرق-غرب'' هم 100 بالمائة جزائريون وحتى اليد العاملة، كما أن العتاد الذي تستعمله 70 بالمائة من الشركات الأجنبية عتاد يخص مقاولين جزائريين، وتشترط تلك الشركات أن يكون العتاد جديدا دون أن تستعمل عتادها بالنظر إلى تقدمها للمشاركة في المناقصة وتقديم العرض الكلي والظفر بالمشروع، وبالتالي فهذا نوع من التحايل تستعمله الشركات الأجنبية التي تتقاضى أموالا بالعملة الصعبة نظير الغش والخداع وحتى التحايل، والكل يعلم ذلك دون أن يتدخل أحد، في حين يحرم المقاول الجزائري من ذلك· لكن العكس حدث من برنامج المليون وحدة سكنية، حيث أتيحت الفرصة للمقاولين وتحصلوا على ما نسبته 20 بالمائة منه، معظمها سكنات ريفية· لكن أملنا أن يضع مسؤولونا الثقة في المقاول الجزائري، لأنه أثبت جدارته في العمل، وعلى الدولة أن توفر كل الإمكانيات التي يستفيد منها الأجانب لدى دخولهم إلى الوطن من أجل الإنجاز بتسهيلات من البنوك والإدارات وتوفير مواد البناء وشروط العمل المريحة، كما هو الحال بالنسبة إلى الأجانب·