فاعتداءات المصريين على العناصر الوطنية يومين قبل المباراة وأنصار الخضر عقب المباراة، لا يعني شيئا آخر سوى أن هذا القوم لا يكن إلا الكراهية والحقد، لمن يقولون إنهم إخواننا• ''الفجر'' التي حلت بالمطار الدولي للقاهرة أمسية الأربعاء، تروي لكم القصة التي دونها صحفيها في مخيلته ولن تمحى أبدا، فطبعا عندما توجهت بنا الحافلة التي كان فيها دليلان سياحيان وكّلتهما وكالة ''جميلة للسياحة والأسفار'' التي سافرنا معها من مطار هواري بومدين إلى القاهرة، ومن محاسن الصدف أننا عشنا حماسا لم نشهده من قبل ونحن في الطريق سواء في الجو أو في طرق العاصمة المصرية مع الجمهور الجزائري، الذي أكد وفاءه لأبناء سعدان وناصرهم حتى آخر ثانية من لقاء السبت الأسود• في بادئ الأمر وعندما ارتحنا قليلا إلى جانب بعض الصحفيين الجزائريين الذين رافقونا في الرحلة، فكرنا في أن ننزل إلى أقرب شارع من محل إقامتنا، أي فندق ''كتراكت'' الذي يبعد مسيرة أكثر من ساعة من المطار، هذا الحي الشعبي يدعى ''شارع الهرم''، أين قصدنا لتناول وجبة العشاء عند أحد المحلات ل ''ماك دونالد''، لنتفاجأ بصمت رهيب عند المصريين، وكأنهم لا يعلمون بأن منتخب بلادهم سيلعب بعد أقل من 48 ساعة، حتى أن بعض الزملاء قال ''ماذا يحدث في مصر، فهنا لا حدث للمباراة''، فوجدنا أنفسنا نتجول بكل حرية وبدون أي مضايقات إلى ساعات متأخرة من الليل• جولتنا الأولى والأخيرة في القاهرة، أعطتنا معلومات جلية عن هذا الشعب، الذي كنت أنا شخصيا أعشقه وأقتدي بثقافته يوما ما، فمن زار القاهرة سوف يضيق خلقه لأول مرة وهو يدخلها، لأن ندرة المطر تظهر في وجهات العمارات، التي يكسوها الغبار، ناهيك عن البنايات غير المكتملة المقابلة للطرق السريعة، والتي تصور لك خرابا في المنطقة، وكأن زلزالا هزّها للتو• اعتداء المصريين وعناصر البوليس على الصحافة الوطنية يكشف المستور اليوم الأول كان أحسن أيامنا في مصر، لأن اليوم الموالي عكس تماما ما شاهدناه في شارع الهرم، لأنه وفور سماع المصريين باقتراب حلول التشكيلة الوطنية بمقر القاهرة، قادمة من إيطاليا أين كانت تتربص استعدادا لمواجهة الفراعنة باستاد القاهرة، بدأت الحركة في الشوارع المصرية، أين شاهدنا سيارات بالرايات المصرية تحمل شبابا، يهتف بحياة مصر، إلا أننا اعتبرنا أن الأمر عادي، ولا يفوق أي تصور آخر• ومن باب التغطية الإعلامية، حملنا أنفسنا واتجهنا إلى المطار لانتظار البعثة الجزائرية، التي حلت بالقاهرة في تمام الساعة الخامسة بالتوقيت المحلي، هناك كان عشرات الصحفيين والمصورين، إلى جانب بعض الأنصار والجالية الجزائرية التي أبت إلا أن ترحب بالخضر بطريقتها الخاصة• بداية المضايقات كانت أمام مدخل المطار الرابع ''تارمينال,''4 حيث منعنا عناصر ''البوليس المصري'' من تجاوز الحاجز الذي وضعوه على بعد مئات الأمتار من أبواب المطار، وبالمقابل منحوا الضوء الأخضر للصحافة الأجنبية ووسائل الإعلام المصرية، الأمر الذي جلب سخط زملائنا من الصحفيين والمصورين، باستثناء التلفزيون الجزائري، الإذاعة الوطنية ووكالة الأنباء الجزائرية• تهجم يعلى حافلة الخضر يؤكد غل الفراعنة وفور نزول الطائرة الخاصة التابعة للجوية الجزائرية بمطار القاهرة، بدأ الأنصار بالهتافات ''وان تو تري فيفا لاجيري''، في وقت كان أحد الأنصار يحمل علمين ملتصقين يمثلان الرابطة الوطيدة التي تجمع الجزائر ومصر، بالمقابل وعلى بعد 50 مترا على الأكثر كان يتجمع عشرات الأنصار المصريين، وهو ينادون بحياة مصر وسقوط الجزائر، طبعا هم أحرار في ذلك، إلا أن تركيزنا المنصب على وصول الخضر إلى القاهرة، جعلنا ننسى أن عدد الأنصار المصريين فاق ال150 مناصر، وذلك ما لم يكن في الحسبان، ليصب هؤلاء في وسط الجزائريين الذين فروا باتجاه عناصر الشرطة، أملا في حمايتهم من اعتداءات الأنصار المصريين، لنتفاجأ برد فعل عنيف من رجال البوليس، الذين تهجموا علينا بأحزمتهم الحديدية، لنجد أنفسنا محاصرين بين الأنصار والشرطة، إلا أن تدخل بعض المسؤولين في الأمن المصري هدأ من الوضع، الذي راح ضحيته أحد أطفال الجالية الجزائري في كندا، الذي أصيب في ظهره من جلدة شرطي، ما عصب الجزائريين الذين توحدوا على أن يرفعوا من معنويات اللاعبين وينادوا بحياة الجزائر عند مرور الموكب، وذلك ما حدث فعلا، حيث اهتز عناصر الخضر لهذا الاستقبال من داخل الحافلة، التي كانت متوجهة إلى فندق ''أبروتيل المطار'' حيث حجزت الاتحادية الجزائرية لإقامة الخضر، لكن الرياح سارت بما لا تشتهي السفن، حيث تهجّم أنصار آخرون كانوا ينتظرون اقتراب الحافلة من المطار، ليرشقوها بالحجارة، وباقي القصة معروفة• تلك الرسالة فهمناها جيدا، وهو أن الأمور كان مخطط لها، قبل وصول أي جزائري إلى القاهرة، فربما أن ما قاله لنا أحد سائقي الطاكسي يعكس سعي السلطات ومسؤولي الاتحادية المصرية، لتسليط الضغط على الخضر قبل المباراة، أملا في انهيار معنوياتهم باعتمادهم على مثل هذه الطرق غير المشروعة، حيث قال لنا بالحرف الواحد ''أنا أتهم رجال البوليس بضرب اللاعبين والأنصار، وذلك من باب التأثير على نفسيتهم قبل المباراة''• إصابة الخضر تشحن بطارياتهم وترفع تحديهم قبل 48 ساعة من اللقاء هذه الحادثة السابقة، بقدر ما أثرت على التشكيلة الوطنية والأنصار، شحنت بطارياتهم أكثر للرد الصاع صاعين، لكن في حدود قوانين اللعبة• ليلة الاعتداء أنزلت علينا خوفا وهلعا كبيرا، لأن الكل كان يتوعد، ومن يرى جزائريا إلا واعتدى عليه، فإذا لم يكن ضربا، فبالكلام البذيء، في حين أن البعض الآخر أو الأقلية كانوا يهدئون من الوضع ويرحبون بنا في بلدهم• إلقاء القبض على أحد الأنصار واتهامه بحمل الهيروين وبعد دخولنا المدرجات الخاصة بالصحفيين، طبعا بعدما رافقنا بعض الأنصار من الفندق إلى الملعب، وبطريقة صعبة، بالنظر إلى الإجراءات الردعية التي مورست علينا، بمنطلق أن الفيفا أرسلت إلى اتحادية زاهر تنذرها بتوفير ضمانات الأمن والحماية للاعبين والأنصار، وعند وصولنا إلى مدرجات الصحافة، التي كانت متوفرة على جميع الوسائل والمرافق ''رأي صريح''، حيث سهلت علينا مهمة الإرسال عبر الأنترنت• وفي الوقت الذي نزلنا للجلوس في المدرجات، تفاجأنا بالكم الهائل للجماهير المصرية، التي لم تصمت دقيقة واحدة عن مناصرة منتخب الفراعنة، حيث كان أحد المسيرين في الاتحادية يلف على محيط الملعب وفي يده ميكروفون لتحفيز الأنصار على مواصلة المؤازرة إلى نهاية اللقاء، ناهيك عن الأغاني الوطنية• بالمقابل كانت المدرجات الخاصة للجزائريين بعيدة كل البعد عن الميدان، حتى أننا لم نسمع أهازيجهم، إلا عند حصول أي لقطة أو هجوم معاكس للمنتخب الوطني، وغير ذلك فإن الإنارة لم تكن كافية لمشاهدة أنصارنا في الجهة المقابلة، في وسط الظلمة الحالكة والألوان الحمراء والسوداء التي طغت على مدرجات ملعب القاهرة• النشيد الجزائري يهان في أرض الفراعنة وعن أهم لقطة استنكرها الجزائريون بشدة في المباراة، هي تصفيرات المصريين على النشيد الوطني الجزائري، وكذلك إنزال الراية الوطنية فور الانتهاء من النشيدين، كل هذا شحن أنصارنا الذين هتفوا بعبارة مست كثيرا نفوس المصريين وهي ''يا للعار، يا للعار، بعتوا غزة بالدولار''• خسارة الخضر في المباراة تمنع حدوث كارثة إنسانية اعتداءات شنيعة وإصابات متفاوتة الخطورة وسط الأنصار خسارتنا أمام المصريين، بقدر ما كانت قاسية، فإنها منعت حدوث كارثة إنسانية، وأكبر دليل هو ما حدث بعد اللقاء وعلى بعد كيلومتر على الأقل من الملعب• فبعدما جهز عدد من أنصارنا لمغادرة الملعب والتوجه إلى أماكن إقامتهم، رفقة بعض عناصر الشرطة والمرشدين السياحيين، لكن الغريب في الأمر أن المرشدين تلقوا مكالمات فورية، غادروا الحافلات وافتعلوا الهبوط بنية العودة لاحقا، في حين أن الشرطة فرت بجلدها عند مهاجمة المصريين لحافلات الأنصار أمام إشارة ''قف''، ليجد أنصارنا أنفسهم أمام حشد من المصريين يرشقونهم بالحجارة من كل جهة، وكسروا زجاج الحافلات، ليعتدوا على الأنصار العزل، مخلفين إصابات كثيرة وسط جمهورنا وصلت إلى 150 إصابة• الحقد وصل بالمصريين إلى محاولة حرق أنصارنا داخل الحافلة الحقد والكراهية كانا باديين على وجوه هؤلاء المتعصبين، لدرجة أن أحدهم رمى بمقذوفة نارية داخل الحافلة، ثم كيسا فيه بنزين، وماذا يعني هذا سوى أنهم كانوا يريدون حرقنا أحياء• فما من جنس ينتمي إليه مثل هؤلاء، سيد أحمد، محمد، هشام وغيرهم دهشوا للوضع، فهناك من أصيب في رأسه، وآخر في وجه، وتوالت الإصابات في وسط أنصارنا، لينقلوا بعدها إلى أحد الفنادق القريبة ''أوربا''، في حين أن أصحاب الحافلات رفضوا نقل الأنصار الذين بقوا في الملعب لساعات متأخرة الليل، قبل أن يتدخل السفير الجزائري عبد القادر حجار لينقذ هؤلاء من اعتداءات أخرى• الاعتداءات تشحن الأنصار قبل لقاء الخرطوم ما حدث للفئة القليلة من أنصارنا الذين عاشوا جحيم السبت الأسود، لم يوقف مساندتهم لمنتخب بلادهم، فالكل رفع التحدي وأعلن الحرب والكل يردد شعار ''معاك يا سعدان والحرب في السودان''، خاصة أن المعلومات التي كانت تصلنا من الجزائر، والتي زادت شحنة في أوساط الجزائريين، الذين توجهوا مباشرة إلى السفارة، لطلب التوجه إلى الخرطوم، بنية الثأر لما عاشوه في غضون المدة التي قضوها في بلاد الفراعنة• وبدأ تجمع مئات الأنصار داخل فناء السفارة الجزائرية بمصر، حيث أودعوا جوازات سفرهم لدى السفارة، فالبعض أراد العودة لأرض الوطن، وآخرون رفعوا الشعار''معاك يا سعدان ورانا جايين للسودان''، وانتظروا إلى ساعات المساء حيث حضرت حافلات نقلتهم إلى المطار، ليتحولوا إلى السودان عبر خطوط الجوية السودانية و الإثيوبية بعدما منعت السلطات المصرية من ترخيص طياراتها لحمل أنصارنا و تسفيرهم إلى السودان.