ومن تلك اللحظة وهما ينتظران بشغف متى يأتي ذلك اليوم الذي يسافران فيه إلى القاهرة، لمؤازرة الخضر في موقعة القاهرة في السبت 14 من شهر نوفمبر• فوز العناصر الوطنية في زامبيا في الذهاب والإياب ثم أمام روندا في البليدة، حمس وحفز صالح وعبد الرحمان اللذان يمثلان منطقة ''مليكة العليا'' بغرداية أكثر من قبل، لمرافقة الخضر إلى بلاد الفراعنة، وسارع الثنائي إلى القيام بإجراءات السفر، لتكون البداية بإيداعهما لشهادتين طبيتين على مستوى مكان عملهما، فصالح يشتغل في مصلحة الإدماج لدى مديرية التربية لولاية غرداية وهو متحصل على شهادة ليسانس في العلوم السياسية، في وقت يعمل عبد الرحمان في شركة لصنع الأنابيب ولديه مستوى دراسي أولى ثانوي، لتأتي بعدها مهمة الاتصال بوكالة ''آل تور'' التي وافقت على طلب الاثنين مقابل 4 ملايين سنتيم• من باب الوادي انطلقت رحلة الموت إلى القاهرة وفي الوقت الذي كان صالح متواجدا بالعاصمة يوم الرابع من نوفمبر، قصد إجراء مسابقة مدرسة الإدارة، تعذر على عبد الرحمان الحضور في الوقت المحدد الذي أقلعت فيه حافلتان على متنهما 105 مناصر جاءوا من شتى مناطق القطر الوطني، وهذا بداية من باب الوادي باتجاه القاهرة في رحلة الموت، إلا أن عبد الرحمان تأخر عن الموعد، ليجد نفسه مضطرا للتحول إلى مطار الأغواط ثم إلى بسكرة، بعدما ألغيت الرحلة باتجاه العاصمة، وهو ما أدى به إلى دفع مزيد من الأموال، وذلك بعدما تلقى اتصالا من زميله صالح الذي انطلق مع القافلة وضربا موعدا للالتقاء في تبسة• من هنا تنطلق رحلة الموت باتجاه من يسمونها بأم الدنيا، الكل متحمس لموعد السبت، حيث لم يهدأ أنصارنا الذين توجهوا برا لتشجيع الخضر طيلة الأربعة أيام التي قضوها عبر الطرقات و الصحاري، حيث دوت عبارات ''وان، تو، ثري'' في نقاط الحدود التونسية والليبية، وأكد لنا صالح وعبد الرحمان اللذان زارا جريدة ''الفجر''، أمس، أن سكان تونس وليبيا ساندوا المنتخب الوطني، ودعوا له بالتأهل، كما طلبوا منهم أخذ الرايات الوطنية كتذكار، وهو ما رفع أكثر من معنويات أنصارنا قبل الوصول إلى القاهرة• استغرقت الإجراءات الجمركية في الحدود الجزائرية - التونسية، ما لا يقل عن ثماني ساعات وذلك بسبب العدد الكبير للأنصار الذين كانوا على متن الحافلتين، وهو نفس السيناريو الذي أعيد على الحدود التونسية- الليبية، ثم الليبية-المصرية، كل هذا لم ينل من عزيمة رفقاء صالح وعبد الرحمان في الكف عن تشجيع المنتخب الوطني• حادثة الاعتداء على الخضر تشحن بطارياتهم كانت الساعة تشير إلى الرابعة صباحا من يوم الجمعة العاشر من نوفمبر، أي 24 ساعة قبل موعد اللقاء وما أن وطأت أرجلهم بلاد الفراعنة، حتى سمعوا خبر اعتداء الأنصار المصريين على حافلة المنتخب الوطني عشية الخميس، وهو ما شحن عزيمة الأنصار، الذين ظلوا يهتفون بحياة الجزائر والمنتخب الوطني والمدرب رابح سعدان، حتى أن البعض حاول الذهاب إلى الفندق الذي حجزت فيه العناصر الوطنية، قصد تفقد المصابين، ما أدى لحصول مشادات بينهم وبين عناصر البوليس المصري، الذين منعوهم من التحرك، لينقلوهم مباشرة إلى فندق ''كاتاراكت'' في موكب تقوده الشرطة• ومع هاجس التعب والإرهاق الذي نال من المسافرين طيلة أربعة أيام، فضل عبد الرحمان والمجموعة الركون إلى الراحة استعدادا للمقابلة، قبل أن يتوجهوا في منتصف النهار من يوم السبت إلى ملعب القاهرة الدولي، الذي يبعد عن الفندق مسيرة أكثر من ساعة ونصف••• إلى هنا كان الأمر عاديا، رغم مضايقات الشارع المصري، واستفزازهم لأنصارنا• صوفيا وصفية جردتا من لباسهما أمام أعين البوليس وانتهاك حرمة الجزائر في ملعب القاهرة بدأت المتاعب وهم على عتبة الملعب، لأن البوليس المصري استعمل إجراءات تعسفية أهان بها الجزائريين بذريعة التفتيش، الذي لم يسلم منه حتى العجزة والنساء، بدليل ما عاشه عجوز في الستين أمام عناصر الأمن، الذين قاموا بتفتيشه ونزعوا حذاءه، في وقت قامت الشرطيات المصريات أمام أعين زملائهن الرجال، بجرد ثلاث فتيات من ملابسهن رغم توسلهن وبكائهن• فصوفيا القادمة من العاصمة، صفية من قسنطينة وأخرى من ولاية تيارت، لم يتذكر عبد الرحمان اسمها، عشن الجحيم أمام أبواب ملعب الرعب، مثلما قال لنا صالح، وهو ما أثار غضب أنصارنا، الذين دخلوا في مشادات مع الشرطة، لأنهم لم يهضموا ''الحفرة'' الممارسة على مواطناتهم الجزائريات• وغير ذلك، فقد انتزعت الرايات الوطنية التي كانت بحوزة مناصرينا عند نقاط التفتيش• أجهزة ''سكانير'' بالجملة لتفتيش الأنصار ومكبرات صوت لإضعاف تشجيعاتهم عملية التفتيش لم تتوقف عند البوابة الأولى أو الثانية، لأن كل مناصر جزائري مر على أكثر من ''سكانير''، للتأكد من عدم حمل الجزائريين لأي وسائل محظورة، حتى أن المأكولات والمشروبات انتزعت منهم، ليجدوا أنفسهم مضطرين لشراء مواد تالفة ومنتهية الصلاحية داخل الملعب، وبشهادة عبد الرحمان وصالح فإن الماء المعدني مثلا انتهت صلاحيته سنة .2005 وعند إقبال المناصرين على المدرجات، فوجئوا بخطة المصريين، حيث تم إبعادهم إلى أعلى المدرجات، و أحاط بهم رجال من الشرطة من جهة واحدة، تاركين السبيل مفتوحا للجماهير المصرية لاقتحام مكان الخضر، في حالة تأهلنا إلى المونديال، أو ببساطة، فإن الأمور كانت مهيأة أو مفبركة لفعل فعلتهم الشنيعة• وفضلا عن ذلك، فقد وضعت إدارة الملعب مكبرات صوت وأحاطت بها حول الملعب وذلك لإضعاف جميع محاولات أنصارنا في التشجيع، إلا أن ذلك لم يمنع أنصارنا من ضرب المصريين في الصميم بعبارة ''يا للعار، يا للعار بعتو غزة بالدولار'' والتي أزعجتهم كثيرا• أما عن اللقاء فقد كان متوقعا أن يسلط آلاف المصريين ضغطهم على العناصر الوطنية، خاصة بعد حادثة المطار، التي أثرت سلبيا على نفسية الأغلبية من لاعبينا، في وقت كان الضغط الأكبر على الحارس لوناس فاواوي، ليتحقق مرادهم في البداية، عندما تمكنوا من فتح باب التسجيل في الدقيقة الثانية من اللقاء، إلا أن المساندة شجعت الخضر في العودة في المباراة وخلق فرص كثيرة أربكت المصريين، ''الأمر الذي حفز أنصارنا على المواصلة في مؤازرة الخضر، الذين كانوا رجالا فوق الميدان''• ومع تسجيل الفراعنة للهدف الثاني، تأثر أنصارنا نوعا ما، إلا أنه سرعان ما تيقنوا بأنه لو حققوا التأهل أو فازوا في المباراة، فإنهم سيعودون إلى الجزائر في توابيت وقال صالح ''الحمد لله أننا لم نفز، والا لكنا فقدنا أرواحنا في مدرجات الملعب''، في ذات الوقت قام اللاعبون بتحيتهم، ما أدى إلى رفع معنوياتهم، سيما أن رفقاء مغني ضربوا لهم موعدا في الخرطوم، في مباراة الثأر• حجار حملهم المسؤولية وإتهمهم بتحريض المصريين الاعتداءات الأولى تسفر عن جرحى وسط الأنصار لم تسلم الفئة الأولى من الأنصار، التي غادرت الملعب باتجاه أماكن إقامتهم، لأنهم اصطدموا بحشود من المتعصبين المصريين، رشقوهم بالحجارة و كسروا زجاج الحافلة، أمام مرأى عناصر البوليس الذيين فروا بجلدهم، تاركين أنصارنا يقاومون الموت وهم عزل ما تسبب في إصابة بعض الأنصار بإصابات متفاوتة الخطورة، لينقلوا بعدها إلى المستشفى، فيما نقل الآخرون إلى فندق ''أوربا''• وفور وصول خبر الاعتداء إلى بقية الأنصار الذين كانوا في الملعب، رفضوا التحرك إلى غاية ساعات الفجر الأولى وحضور السفير الجزائري عبد القادر حجار، الذي حملهم مسؤولية ما وقع من اعتداءات على الحافلات الثلاث واتهمهم بأنهم كانوا أول من استفز المصريين، قبل ردة فعلهم، وهو ما استنكره أنصارنا•
بكاء، خوف وذعر انتابهم وفاة مناصر من المدية تحدث صدمة شديدة للأنصار يقول محدثنا إن حجار اتصل بقوات الأمن لتوفير الحماية لحافلات الأنصار، ونقلهم إلى الفنادق، وفي إحدى هذه الحافلات كان يوجد صالح وعبد الرحمان، إذ في نفس المكان الذي تعرضت فيه الحافلات السابقة للاعتداء الهمجي، خرج عشرات من الأنصار من كل مكان وانهالوا رشقا بالحجارة على الحافلة، ما استدعى فرار الشرطة، ليتسبب المتعصبون في تكسير زجاج الحافلة وإصابة ثمانية مناصرين، إلا أن المؤثر في نفس الوقت، أن عبد الرحمان والمجموعة تفاجأوا بوفاة أحد الأنصار، الذي كان ملقى فوق كرسي الحافلة، حيث تبين لهم في البداية أنه مصاب، إلا أن اقترابهم منه أكد وفاته متأثرا بجراحه، بعدما تلقى ضربة في الرأس، هنا عبد الرحمان وصالح يذرفان الدموع ويسكتان عن الكلام، وهو دليل على الصدمة الكبيرة التي حلت بهما عند وقوع هذه الحادثة المؤسفة• وحسب شهادة الاثنين، فإن هذا الشاب ينحدر من ولاية المدية، ولا يملكون أية معلومات أخرى إضافية عن هذا المناصر، خاصة أنه وبمجرد توقف الاعتداء، قامت الشرطة المصرية بأخذ هذا الشاب إلى المستشفى في سيارة إسعاف ورافقه مناصران جزائريان من ولاية برج بوعريريج• وخيمت سكينة على أنصارنا، الذين بكوا بحرقة على ما عاشوه من جحيم في بلد، يقول مواطنوه بأن الجزائر بلدهم الثاني، لكن الحقيقة كشفت الباطل وأظهرت المستور، و مثلما قال لنا عبد الرحمان''ما فعله بنا المصريون لا يفعله الصهاينة''• ولتأكيد هذه الشهادة، فقد أرفق عبد الرحمان وصالح معهما صورة الضحية عبر الهاتف النقال• الأنصار احتشدوا أمام السفارة وطالبوا بنقلهم إلى السودان وواصل عبد الرحمان ''من أجل التستر عن الموضوع، تم نقل المناصر إلى الجزائر مباشرة في صبيحة الأحد''، وهو الأمر الذي حير أنصارنا الذين عاشوا الحادثة، باعتبار أن الأخبار الأخيرة أكدت عدم حصول أي وفيات، في حين أن الكثير من الأنصار لديهم شهادات حية تؤكد وفاة أكثر من ثلاثة مناصرين• صالح، عبد الرحمان وكثير من الأنصار الجزائريين، عقدوا العزم ألا تذهب دماء شهدائنا سدى، وأنه في الخرطوم سيكون لهم كلام آخر، ليتوجهوا إلى السفارة، مطالبين بنقلهم إلى السودان، وهو ما أدى إلى حدوث مناوشات مع الأنصار المصريين، الذين قاموا باستفزازهم أمام باب السفارة، بعدما أغلق في وجوههم ورفض الموظفون في السفارة إعلامهم بأي جديد حول التنقل إلى الخرطوم، ليجد رفقاء عبد الرحمان في الرحلة أنفسهم مضطرين للعودة إلى أرض الوطن عبر الحافلة، أملا في إيجاد معبر آخر للذهاب إلى السودان، إلا أن ذلك لم يحدث، واضطر الاثنان إلى معايشة المباراة في العاصمة قبل التوجه على غرداية في اليوم الموالي.