الحميّة العربية شيء جميل ولكنها كارثة عندما تستغل للتفرقة• قبل أن تطالع عيوننا مهزلة التعصّب وموجات الحقد التي أفرزتها ثقافة الخنادق في مباراة مصر والجزائر كنا نشعر أننا كعرب نمتلك مدا شعبيا ما زال صحيا لم يتعرّض لموجات أنفلونزا الحقد في العلاقات العربية وكنا نعوّل كثيرا على سلامة أفكار الشعوب في التصدي لبعض الرموز الدكتاتورية البغيضة بل كنا نتمنى أن نغيّر من الواقع المتردي بقوة أفكار الشعوب• من حق أي شعب أن يقف خلف من يمثله وهو شيء جميل طالما عبّر ذلك عن حب الأوطان، ولكن أن يتحول ذلك إلى سلاح للإساءة للتاريخ العربي ولسمعة العرب ولثقافة الأوطان فإننا بكل تأكيد سنعمل على التصدي لمثل هذا التصرف المشين فكرا وتاريخا وأصالة• لقد أفرزت مباراة كرة قدم جملة معطيات على العرب أن يعوها جيدا ومنها هشاشة البيت العربي أمام الخروق الخارجية، عندما طالعنا المراسل الصحافي الإسرائيلي الجنسية الذي جاء للقاهرة لتغطية مباراة مصر والجزائر، وتبنى موقفاً مناصراً للجزائر بعد أن لفّ نفسه بالعلم الجزائري حتى يسهل له تشجيع الجزائريين والدخول في مواجهات مع المشجعين المصريين لعرضها في القنوات التلفزيونية الإسرائيلية والعالم أدركنا معه أننا لقمة سائغة لمختلف الاتجاهات ونعلن أننا مهيئين تماما لتناول سموم التفرقة والطعن أمام مختلف الزوابع• وبالمقابل، فإن الحكام لم يكونوا بأقل من المواطن البسيط في التصرف خاصة الرئيس الجزائري الذي بات يعيش في دوامة مراجعة العلاقات الجزائرية المصرية بعد تلك المباراة وما دار خلالها من أحداث• بالمقابل، مباراة كرة قدم تحوّلت إلى فريسة تناوب على ابتلاعها أهل الفن ورجال السياسة وكل منهم يريد أن يوظّفها لمصالحه الشخصية• عندما طالعت المدرجات المصرية وجدت أنها تغصّ بالفنانين المصريين مثل أحمد بدير الممثل الكوميدي وآخرين كما غصّت المقصورة الرسمية بنجلي الرئيس المصري والحاشية وربما نجل الرئيس (جمال مبارك) يمتلك العذر في تواجده هناك لأنه غارق في الأصوات المعارضة للتوريث وتمنى أن يحقق مكسبا من خلال التأهل ولكن جرت الرياح بما لا يشتهي الحزب الحاكم• إن تدويل كرة القدم وتحويلها إلى أفق من الصراع الوطني بين الشعوب يُلحق ضررا بتلك الشعوب لأنها ستندفع بشكل أعمى للمناصرة دون حسابات منطقية وبالمقابل هي كرة قدم •• الرياضة تعوّدنا عليها أن تجمع الفرقاء لا أن تفرق الشعوب، وشاهد العالم كيف خرج السنّي والشيعي في العراق يرقصون في الشوارع محتفلين بفوز العراق بكأس آسيا في 2007 في وقت كانت هناك صراعات قوية جدا أحدثتها الطائفية المسيّسة، عندها تعلّم الشعب أن الوطن حي في ضمائر الجميع ولا فرق بين أحد منهم وكانت تلك شرارة أعادت لمّ الصف والتوحّد؛ إلا أن ما حدث في واقعة مصر والجزائر عكس ذلك تماما• من الغريب أيضا المشاهدات التي أقلمت المشهد حيث وقف التونسيون والمغاربة مع الجزائريين وضد مصر وبنبرة إننا دول شمال إفريقيا إذن نحن مع قراءة أخرى أكثر تعقيدا للمشهد تجاوزت حدود 100 متر مساحة الملعب•• وهنا نقف نتعجّب ولنا الحق بذلك لمدى حدود فكرنا العربي وهذا التعصّب غير المبرر! سعدون شيحان ، العراق القدس العربي