^ في البدء أرى أنه من آكد الواجبات أن نحتفل معا بالربيع الأول ل ”الفجر الثقافي” رافعين قلوب الأمل حتى نشعل له شموعا أخرى في المستقبل لأنه ليس من واجبنا أن نطفئ الشموع وإنه لمنكور أن نلهج كالعادة بلعن الظلام ولعن الزمان ”وما للزمان عيب سوانا”، واللعن في مطلق الأحوال تعويذة العاجز الذي يعيش على فحولة أعطته عمرها اليوم نحن على موعد تاريخي مع النيران الصديقة التي يجب أن نطلقها من حين لآخر للتنبيه الوجودي لا غير وذلك أضعف الوجود، وقد علمنا أن ما لا يدرك جله لا يترك كله وحسبنا أن نقف ولو مثل كورس بارد يشهد العُجاب فيصرخ خارجا عن توجيهات الكاتب والمخرج معا، فبعض الخراب يجعل الأصم الأبكم ”قس بن ساعدة” زمانه. والنيران الصديقة هاهنا هي محض غيرة على وطن ما زلنا نعتقد أنه للجميع وأن حمايته مهام الجميع على السواء، ولذلك قضى علينا التخلف أن يكون انتقاد وضع ما هو هجوم على سيادة ما أو انتقاص من أصحاب المعالي رغبة في إنزالهم إلى المسافل والحقيقة غير ذلك. ولكن هكذا تجري أيامنا المعتوهة ما دام بعض المسؤولين يحسبون كراسيهم أكبر من النقد، تماما كما يعتبرون من ينتقدهم مواطنين من الدرجة العاشرة أو رعايا ”والعود الي تحقرو يعميك” هكذا يغني البسطاء في هذا البلد العظيم. هذا غيض من فيض ما يوجب أحيانا النيران الصديقة ويجعلها حتمية في قانون الضرورة القصوى، وأخال القارئ الحصيف في انتظار ما أعنيه من ”الفجور” الثقافي كما أنني مجبر على تفسير دخول ”الواو” في كلمة الفجر النورانية الدلالة القدسية المعنى. هل عندنا فجور ثقافي؟ قبل ركوب جادة الجواب أحب أن ألفت تنبيها إلى إمكانية استعارة كلمة الفجور من الحقل الديني إلى الحقل المعرفي والإبداعي والسياسي على السواء بمعنى الفساد، ولذلك وضعتها بين قوسين تلميحا لهذا التوظيف. بعيدا عن حماس جيلنا الذي يراه أبناء آوى من الذين يصلون على سجادة علي ويأكلون على مائدة معاوية ”مغامرات طائشة”، يقولون ذلك وقد تدلّت بطونهم ومؤخراتهم من مشاريع العلف السيّار. نقول إن هناك كثيرا أو قليلا من الفساد الذي يطبع حياتنا العامة التي لا يمكن أن تكون الساحة الثقافية عنها بمعزل أبدا، وكنت قد أشرت أكثر من مرة أن ارتباك الاستراتيجية فيما يتعلق بالمشروع الثقافي الوطني الذي يكون الأرض الخصب لتصور مشروع المجتمع الراشد هو الصداع المزمن الذي أحال البيت الثقافي الجزائري عرسا مُشرعا على الفوضى لتكون النتيجة عكسية، فما أتعس الأعراس التي تزبد أحزانا. ولأن المجال لا يتسع لفتح هذا النقاش، أقول لقد فتح ”الفجر الثقافي” على مدار السنة أكثر من جرح ثقافي، ونفض الغبار على الكثير من القضايا المصيرية في مشهدنا الثقافي، والتفت إلى مشكلات عصيّة على المقاربة وفجّرها مشكورا مثيرا وراءه الزوابع تباعا، وتابع جديد الكتّاب والمبدعين وأشرك المثقفين في ملفاته، وانتبه إلى ما يقوله الآخرون عنا ثقافيا، وانتصر في النهاية للجزائر كما يحلم بها شبابها، جزائر حداثية تنتصر لأجيالها الجديدة وتُشرع قلبها للأفراح والسلم ولا يأكل الحوت الكبير فيها السمك الصغير، هكذا رأيت ”الفجر الثقافي” يمانع الفساد الثقافي والانزلاق في الخيبة .. كل الأمل معلق على أن يستمر ”الفجر الثقافي” صبوحا مشمسا متألقا في الساحة الإعلامية والثقافية، وخالص الإعزاز والتقدير للأخ الصديق المحترف أولا والمبدع أبدا رشدي رضوان ولا أود شكره لأنني أعرف حرقته الاستثنائية على ما فيه خير الثقافة والإعلام في جزائرنا و”كاري” رشدي خير تاج على ما أقول، والمزيد من الألق للفريق المعدّ، والشكر موصول لمديرة ”الفجر” الإعلامية القديرة حدة حزام التي راهنت على فجرها الثقافي في الوقت الذي تغيب الصفحات الثقافية في جرائد أصابت آذاننا بالصمم وهي تدّعي أنها ”الكبيرة” .. نعم كبيرة ولكن بقضايا صغيرة.