“لا تطاق رؤية المآذن التي تحاكي في هندستها الصواريخ، وتعلو عن أرض فرنسا بخمسة وعشرين مترا ... من غير المحتمل السماح بسلب هويتنا المسيحية...". هذه العبارات ليست لبابا الفاتكان، ولكنها لمجرم حرب له باع طويل في التعذيب، فهي صادرة عن ضابط خاض حرب الفيتنام فأدبّه إخوة هوشي مينه. وشارك في العدوان الثلاثي على مصر، فقام جمال عبد الناصر بتفحيم شعره الأشقر. وشارك في الحرب ضد الجزائر فأدخله أبناء نوفمبر إلى مقصورة خاصة بالمخصيين.... إنها عبارات عنصرية للوبان خلال لقائه الحزبي هذا الأسبوع. ذلك الذي لا يفهم مقولة ماركس: "الأفكار المتطرّفة تحمل دوما بذور فنائها". لكن من أين له أن يفهم مقولة فلسفية عميقة وهو الذي عجز عن فهم حقيقة سياسية بسيطة ألا وهي أنه سياسي فاشل بامتياز. فشل في الوصول إلى قصر الإليزيه لأنه اعتمد على أجساد المهاجرين لبناء كل برنامجه السياسي. لوبان لا يريد أن يفهم ما الذي جعل صاحبة القامة النحيلة سيجولين روايال تتفوق عليه بفارق كبير، ولا يفهم حتى سبب تفوق صاحب الجرار فرانسوا بايرو! لوبان جريء جدا ويحب فرنسا ويخاف عليها من المهاجرين؛ لكنه لا يمكن أن يبدي امتعاضه من كونه محكوما من طرف ابن مهاجر. ولا يمكنه أن يحتج على كون فرنسا سلمت أوراق اعتمادها لابن مهاجر ليمثلها في الخارج، أو أن يحتج على كون اللوبي اليهودي هو الذي يسيطر على قصر الإليزيه. لوبان يحب فرنسا ويكره المهاجرين لكنه يعرف أي المهاجرين يكره. يكره الذين دفعهم شظف الحياة إلى فرنسا ولكنه لا يمتلك الجرأة ليتحدث عن رفضه للمهاجرين عندما يتعلق الأمر بأمثال: ساركوزي وبرنار كوشنير وبيير لولوش وجوسبان وفانكلكروت وهنري ليفي وأندري غليكسمان.... ليس له الجرأة وإن كان الكثير من هؤلاء يتولون مناصب لم تتح حتى للفرنسيين الأقحاح. ربما هذا ما جعله يصرح أثناء حديثه قائلا : "Nous ne sommes pas racistes, mais nous sommes patriotes!" ”لسناعنصريين كل ما في الأمر أننا وطنيون.“ إن الرجل يعلم جيدا بأن مجرد تلميح للجالية اليهودية سوف يجعله يحاكم بتهمة معاداة السامية. أو ربما كل ما في الأمر أنه رأى بأن هؤلاء يردون لفرنسا جميل نابوليون حين احتل فلسطين وهو يخطب قائلا لليهود: »هاهي فرنسا تمد لكم يدها حاملة إرث إسرائيل« لوبان الذي استفاق غداة تأهل فريق فرنسا الكروي المصادف لتأهل الجزائر أن الجالية المغاربية قامت برفع الأعلام الجزائرية؛ وقد اختار أن يصف علم الجزائر بأنه "علم الفلا?ة" وهنا قامت اللغة بإخراج العُقد إلى السطح وبيّن بأنه لازال يعاني من رواسب الهزيمة من قبل ثوار الجزائر. لوبان الذي عذّب في مرحلة شبابه الجزائريين بالسواطير والخوازيق... أصبح في شيخوخته يُعذَّب من طرف شباب الجزائر في عقر داره بالحرير. وأحيانا يكون تعذيب الشيوخ بالحرير أشد من تعذيب الشباب بالحديد! هكذا بدا لوبان ممتعضا من سماعه الجالية المغاربية تهتف بتأهل الجزائر لأنه من النوع الذي لا يريد أن يسمع أصوات المهاجرين إلا إذا أصبحوا يهتفون باسمه وباسم المسيح في صناديق الاقتراع. حاول لوبان من خلال حديثه استمالة الفرنسيين بالدفاع عن الهوية المسيحية، وبيّن له بأن فرنسا قد فشلت في جعل المهاجرين يتخلون عن عقيدتهم الإسلامية وفي هذا تهديد مباشر حسب زعمه للهوية. توقف مطولا للحديث عن الهوية، لكنه نسي بأنه هو من عمل بمراكز التعذيب على تعميد الجزائريين بالرصاص الذائب وصلبهم على الصفيح الملتهب. هكذا أراد مجرم حرب أن يبدو بوجه إنجيلي؛ لكن أي وجه هو هذا؟ إنه يشبه وجه لافيجري المستعاد تماما.