يقول لويس ستيفنسون إنه ليس هناك إلا ثلاثة طرق لكتابة القصة أن تأخذ الحبكة، ومن ثم تجعل الشخصيات ملائمة لها أو أن تختار الشخصية أولا ثم تختار لها الأحداث والمواقف التي تنتمي لها، أو أن تأخذ ثالثا جوا معينا وتجعل الفعل والأشخاص في فلكه معبرين عنه مجسدين له.. وهو ما قد تشترك فيه الرواية مع أن هذه الأخيرة تتسع لأحداث فرعية و أبطال وشخصيات و زمان و مكان متعدد، الوقت الذي يحد فيه كاتب القصة القصيرة من امتدادها عازفا عن المقدمات الطويلة والزوائد والإستطراد، فهي في نظر البعض : (وجبة غنية إذا توفر لها طاه ماهر وكانت لديه الرغبة في التقيؤ على الورق) وبعيدا عن التنظير لهذا الجنس الأدبي فقد عرف تطورا بدءا من سرعة انتشاره إلى ازدياد مقروئيته إلى ظهور رابطات واتحادات و جمعيات تنتصر له و بروز أقلام جادة ونشريات وصحف تهتم به. و بالعودة إلى التساؤل نجد أن القصة القصيرة تطورت وانتشرت بالموازاة مع الرواية دون أن تحد إحداهما من أفق الأخرى بل تراوح بعض الكتاب بين الرواية والقصة، فقد يتوقف أحدهم عن إتمام رواية ليكتب قصة و من ثم العودة ثانية.. مثلما أتت "رمانة" لدى الطاهر وطار و أتت "أنف حنان" بعد مشوار طويل مع الرواية. لكن الأمر يختلف مع القصة القصيرة جدا بالنظر إلى الاشتراك في الإيجاز والتوتر والوحدة فهل نعدهما معا جنسا واحدا أم أن هذا التنظيم "ق. ق. ج" جنس آخر و إن تعددت تسمياته بين: الومضة، المشهد القصصي، الأقصوصة، خواطر قصصية؟ معتمدة على خبرات المستمع أو القارئ لفهمها، أو كما يراها د.أحمد حلس: "تشبه نوعا من أنواع الخبر العاجل لا تشبع المثقف و لكن تشبع من يريد التقاط الومضة". وهو موضوع متروك للنقاد مع أن محاولة التنظير للقصة القصيرة كما يرى السيناريست عيسى شريط كمحاولة وصف مرآة لشخص همجي لم ير مرآة في حياته. لا يعد انتصارا للقصة القصيرة إن قلنا إنها ما دامت جنسا قائما غير محدود بكم من سطر أو صفحة أو كلمة، تستلذ فيها قراءة أكثر من قصة تتناول نفس الفكرة، وما دامت لها القدرة على التجدد والتفاعل والاستفادة من الروافد الجديدة كالتقنيات السينمائية في المزج بين العناصر وإعادة إنتاج الدلالة والغوص مع علم النفس التحليلي والخيال العلمي والتقنية الرقمية، فسيظل الكتاب ينتجون لنا قصصا قصيرة تشكل كل واحدة تجربة جمالية بذاتها تتبوأ مكانتها إلى جانب الرواية. وأرى أن مخاض كتابة القصة القصيرة ليس نفسه مخاض القصيدة بشتى تسمياتها أوالرواية أوالمقال. القصة القصيرة لحظة صدق في القبض على الوهج في الزمان والمكان وبالأدوات المناسبة، وإن لحظة الميلاد ليست خيارا. إن عدد كتاب القصة القصيرة يزداد في انتظار جرأة النقد على مماشاة هذا الزخم يظل القاص، وحده، يدير الدفة في انتعاش واضح للنشر الورقي وتفاعل كبير داخل الفضاء الإكتروني. عيسى بن محمود