عندما صدر كتاب ”صراع الحضارات” لصامويل هانتنغتون عام 1996 أثار جدلا واسعا في كل مكان، وهجوما شاملا في العالم العربي. وبرز معظم الهجوم قبل وصول الكتاب إلى العالم العربي وطبعا قبل أن يترجم بكثير. وجميع الذين هاجموا الكتاب حفظوا جملة واحدة وهي أن أستاذ هارفارد هذا يتكهّن بصراع حتمي بين الغرب والعالم الإسلامي. وبعد مرور عقد ونصف على صدور الكتاب وعقد على ترجمته وسنوات على وفاة المؤلف، لا تزال المقالات تكتب عن انحرافات هانتنغتون، وغالبا، غالبا، من أناس لم يروا غلاف الكتاب بعد. وليست هذه المسألة بل هي العادة والتقليد. ويجب ألاّ ننسى أن محاميا عربيا، أي رجلا متخرّجا في كلية الحقوق، كان أول من ”أدان” ملكة بريطانيا في مقتل ديانا سبنسر، وأن محاميا آخر تطوّع للدفاع عن حقوق الفقيدة، دون أن ينتبه لحظة إلى أنه لا بد من إذن من المحاكم البريطانية. في الحالتين لا وجود لشيء اسمه المحاكمة. أكرر أن هذه ليست المسألة على الإطلاق. لكن القضية هي أنه منذ بدء الحملة على هانتنغتون لقوله إن بعض الحضارات آيلة إلى صدام، ومنها الإسلام والغرب، تحوّل الصراع الحقيقي والمؤلم إلى صدامات بين العرب أنفسهم، أحيانا مدجّجين بالمذاهب، وأحيانا من دون الحاجة إليها إطلاقا، كما في الجزائر وفلسطين والصومال. صحيح أن شيئا من ذلك الصراع وقع في غزوة نيويورك الشهيرة، لكن هل يمكن أن نقارن ما حدث في نيويورك بما حدث في اليمن والعراق ولبنان والسودان، دعك طبعا من أفغانستان وباكستان وإيران؟ لقد تحوّل صراع الحضارات إلى صراع الحضارة الواحدة، بشعبها ودمائها ومعتقدها. وهو في معظمه صراع تخلّف وجهل وعصبيات جاهلية. وأرجو ألاّ يعترض أحد بأنه صراع حضارة ورقي ووطنية وإيمان. ومن نتاج الديمقراطية الغربانية التي حملها جورج بوش إلى العراق أن ديمقراطييه في بغداد دعوا إلى انتخابات عامة ورفضوا نتائجها. ومن نتائجها الأخرى عدم السماح للبعثيين بخوض المعركة، كأنما الانضمام إلى حزب البعث، منذ 1963 إلى 2003، كان خيارا في العراق. أو كأنما هناك من يجهل أنه إذا أراد العراقي أن يرسل ابنه إلى المدرسة فيجب أن يذهب هو أولا ليدوّن اسمه في مفوضية الحزب. خطأ هانتنغتون الأساسي أنه بنى على الاستنتاج بدل البناء على واقع البشر وحقائقهم. فالمليون قتيل الذين سقطوا في رواندا لم يسقطوا في صراع مع الرجل الأبيض. ولا الملايين الذين سقطوا في الكونغو، في إحدى أكبر وأبشع مذابح التاريخ المستمرة، ولا مئات الآلاف الذين سقطوا في ليبيريا وسيراليون، ولا الملايين الذين سقطوا في كمبوديا. لقد افترض هانتنغتون بسذاجة أن الصراع ضمن الوحشيات الواحدة انتهى وسوف يصبح صراع حضارات مختلفة. أما ساذج حقا. سمير عطا الله