انتفضت، مؤخرا، عروش الوادي ضد مظاهر ارتفاع تكاليف الزواج الباهظ وحفلاته الماجنة، بعدما قرّر هؤلاء الخروج عن صمتهم لمواجهة عاصفة غلاء المهور وارتفاع التكاليف المجحفة للزواج، والتي جاءت بها رياح البذخ والموضة في أبشع صورها مخلفة عزوف آلاف الشباب عن إكمال نصف دينه وإرغامه على العيش تحت وطأة العنوسة إلى سن متأخرة من عمره وفي هذا الإطار، أبرم عروش وممثلو الأحياء وكبار العائلات في بلدية البياضة بالوادي، البالغ عدد سكانها أزيد من 30 ألف نسمة، اتفاقية فيما بينهم تهدف إلى وضع حد لظاهرة ارتفاع تكاليف الزواج ومظاهر البذخ والتبذير والتفاخر بحجم الولائم والأفراح التي بدأت تتغلغل في المجتمع السوفي، والتي لا علاقة لها بالدين ولا بالأعراف. وقد جاء قرار أهل بلدية البياضة الملتصقة عمرانيا بمدينة الوادي، حسب تصريح بعض متزعمي التظاهرة ل”الفجر” بعد سلسلة من اللقاءات التشاورية توجت بالتوصل إلى هذه الاتفاقية التي وردت في عدة صفحات، وتضمنت عدة بنود، وسميت “دعوة الحد من الظواهر السلبية الضارة في الأفراح”، يتم بموجبها ضبط الأفراح وتحديد تكاليف الزواج، وإلغاء بعض الحفلات الباذخة والماجنة التي ما أنزل الله بها من سلطان. وقد اشتملت بنود الاتفاقية التي استهلت بدلائل شرعية من القرآن والسنة النبوية الشريفة، وتسلمت “الفجر” نسخة منها، على العديد من النقاط التي قرر أهل البياضة الإلتزام وتطبيقها عبر تراب بلديتهم قبل غيرهم، داعين مواطني البلديات والمدن الأخرى بالمنطقة، وكذا تعميم هذه المبادرة التي اعتبروها اجتماعية خيرية وهادفة، إلى تسهيل الزواج عن طريق تخفيض تكاليفه الباهظة وإلغاء العديد من الظواهر الاحتفالية التي اكتست طابع المجون، وإرهاق العريس والعروس بتكاليفها التي لا لزوم لها. ومن النقاط الواردة في الإتفاقية ضمن باب تجهيز العروس، التأكيد على تحديد مهر العروس بقرطين ذهب “فلايك” عادية، والحد من الإفراط في التجهيزات وألبسة العروس الزائدة عن الحاجة، وذلك بالتوسط في المبلغ الذي يدفع لتجهيز العروس على أن يكون ما بين ستة إلى عشرة ملايين سنتيم فقط لا أكثر. وفي باب الولائم، قرر أهل البياضة، في اتفاقيتهم، استبدال الوليمة الباذخة للعروس التي تنظم عادة في بيت أهلها يوما واحدا قبل حفل الزفاف بتقديم إكراميات متمثلة في مشروبات وحلويات فقط. كما قررت الاتفاقية الإلغاء التام لحفل “الحزام” الذي ينظم في اليوم التالي لليلة الدخلة، معتبرين أن ما يحدث في هذا الحفل من مفاسد وتبذير وتفاخر يستوجب إلغاؤه، ومن ذلك أن هذا الحفل تشتري وتؤجر من أجله العروس والنساء الفساتين النفيسة للتباهي والإفتخار المادي والإسراف، كما أنه يكون سببا كما هو ملاحظ في تعيير العروس والحديث عن عيوبها، ناهيك عن عمليات تصويرها ثم كشفها للرجال وهي في قمة زينتها. ودعت الاتفاقية أيضا إلى التقليل من الدعوات في وليمة العريس وحصرها في الأقارب والقليل من الأصدقاء والمعارف، واعتماد الدعوات المكتوبة للمجيء للولائم، والكف نهائيا عن الدعوات الجماعية العامة التي تتم عادة في المساجد والمؤسسات، مع شرط مجيء المدعو للوليمة وحده دون اصطحاب ابنه أو المرأة لابنتها. وقد اتفقوا أيضا على تخفيض مكبرات الصوت، على أن ينحصر صداها في دائرة البيت المقام فيه حفل العرس، وذلك احتراما للجيران والمرضى والأطفال والعجزة، إضافة إلى منع الغناء الفاحش الخادش للحياء احتراما للناس. كما لم تغفل الاتفاقية موكب العرس”الكورتيج”، والذي صارت بعض العائلات تتفاخر فيه بكثرة عدد السيارات ذات الطراز الحديث والباهظة الثمن رغم حوادث المرور الخطيرة التي تقع أثناءها حيث اعتبرت الاتفاقية ذلك “أذى” لكونه يسد الطرقات التي يجب أن تكون مفتوحة مقترحين أن يشرف على موكب العرس الكبار والعقلاء، حتى لا تتحول الأفراح إلى مآتم حيث لا يكاد يخلو موكب عرس في المنطقة من حادث مرور خطير أو أكثر. ومن ضمن الآليات المعتمدة لتنفيذ بنود هذه الاتفاقية، تم اعتماد مبدأ مقاطعة الحفلات والولائم وعقود الأعراس المتميزة بمظاهر البذخ والغناء الفاحش وكل ما من شانه الإخلال ببنود الاتفاقية، وبالمقابل تشجيع والإشادة في المجالس بكل من يطبق في حفلات الأعراس ما ورد في الاتفاقية إضافة إلى تشجيع الأعراس الجماعية القليلة التكاليف، وكذا دعوة الزوايا والجمعيات المدنية والأحزاب السياسية إلى تبني الاتفاقية ودعوة أتباعها ومنخرطيها إلى تنفيذها ميدانيا. غير أن الهاجس الذي يخيف القائمين عن هذه المبادرة، حسب القائمين عليها، هو اصطدامها بطلب السلطات الأمنية التي طالبتهم بالتوقف عن نشر وتوزيع المناشير والوثائق الداعية للتقيد بهذه المبادرة بحجة عدم وجود سند أو غطاء قانوني ترتكز عليه المبادرة، مما دفع بفعاليات المجتمع المدني الى جمع توقيعات وأختام الجمعيات الفاعلة لتقديمها للجهات الإدارية لتوضيح أن المبادرة الخيرية المذكورة تحظى بدعم وتزكية فعاليات المجتمع المدني بالمنطقة.