يعكس المشهد العام لبلدية مناصر، ولاية تيبازة، حالة التأخر الذي خلفته فترة تذبذب الوضع الأمني بهذه القطعة من الولاية، حيث لم يتحرر سكانها نهائيا من تبعات سنوات الجمر التي أفرزت بدورها تراكمات عديدة، بدءا بغياب الاستقرار الإجتماعي والأمني، إلى الافتقار التام للقواعد الإقتصادية، في وقت سلبتها الإدارة طابعها الفلاحي ونسيها الوزراء بعد آخر زيارة.. مواطنون رهن مرارة لعنة الإرهاب وقساوة الريف وتوحي المجمعات القصديرية المترامية هنا وهناك بمحيط المنطقة الحضرية لبلدية مناصر، بتجذر الأزمة المتعددة الأوجه التي سلطت على سكان المنطقة، على غرار العائلات القاطنة بدوار “الكاليتوس” و”سي عمران” القصديري، و”لارباس”، وحي المنكوبين على حافة وادي لحشم الذي يفصل البلدية إلى قسمين، وغيرها من المجمعات السكنية التي تأوي عائلات ماتزال تمثل نموذجا حيا للمعاناة الإجتماعية، كتلك القاطنة بدوار فجانة المشكل من أكواخ بالية. من المفارقات العجيبة التي لم يهضمها الفلاحون بمناصر، اعتبار بلديتهم منطقة حضرية بعد أن بقيت لسنوات طويلة تعتبر ريفية، رغم اعتماد أكثر من 80 بالمائة من سكانها على النشاط الفلاحي الذي يميزها، وهو أمر يرى فيه السكان ‘'بلاء‘' وضربة موجعة أخرى لبلديتهم، لاعتبارات يربطها هؤلاء بما ينجر عن التصنيف الجديد، من إلغاء للعديد من مشاريع الدعم الريفي التي كان سيستفيد منها فلاحو البلدية ذات الطابع الريفي الجبلي، ما دفع بهذه الفئة إلى مقاطعة مختلف الإجتماعات التي يستدعون لها كمعنيين بالقطاع، في ردة فعل يحاولون من خلالها توجيه رسالة لأصحاب القرار.. خاصة أن هؤلاء من خيرة المزودين لسوق الجملة للخضر والفواكه بالحطاطبة بنحو 40 بالمائة من المنتجات الفلاحية بمختلف أنواعها..! واستغرب فلاحو مناصر هذا التصنيف الجديد للبلدية، رغم كون 90 بالمائة من سكانها يعيشون في محيط ريفي بمداشر جبلية معزولة عانت ويلات الإرهاب طيلة سنوات الجمر، وما تزال تعرف بتحركات لفلول المجموعات المسلحة، بشكل أثر سلبا على الفلاحة، وأدى إلى فقر شريحة كبيرة من المواطنين، حيث تشير الإحصاءات إلى وجود 1464 بيت قصديري بالبلدية، منها ما يفوق 300 كوخ داخل المحيط الحضري للمدينة. ولقد حمّلنا فلاحو المنطقة أمانة تبليغ الجهات الوصية رسالة مفادها ضرورة إعادة تصنيف البلدية كمنطقة ريفية بحتة حفاظا على طابعها الريفي. هجرة سنوات الجمر كرّست فوضى العمران لم تمر العشرية السوداء على بلدية مناصر دون أن تترك آثارها على الحياة البسيطة للسكان، وكان من بين مخلفات تلك المجموعات المسلحة بهذه القطعة من الولاية، اغتيال رئيس البلدية بالمدينة وتحويل الكثير من المناطق القريبة من المجمعات السكنية الحضرية بها إلى أوكار للمعاناة اليومية التي تتجرعها اليوم عائلات فرت من بطش الإرهاب، لترتمي بين أحضان الفقر ونقص سبل العيش في دواوير من القصدير. الوضع ينطبق على حال دوار “الكاليتوس” الذي كان يضم في البداية 56 عائلة، ليتضاعف العدد ثلاث مرات بعد تشكل أسر أخرى داخل العائلة الواحدة، في ظل استمرار أزمة السكن، حيث برمجت لهذه الأسر 50 وحدة سكنية.. وكذا حي “لمدون” والحي القصديري بقرية “سي عمران” وحي “فجانة” الذي يضم 80 عائلة، فرت كلها جماعيا من منطقة “وادي الناشف” سنوات التصعيد الأمني، وما تزال هي الأخرى تنتظر مدها بوحدات السكن الريفي. وولد هذا الوضع المتأزم واقعا جديدا بالبلدية، باتت من خلاله تجابه مشكل التوسع الفوضوي على حساب مساحات عقارية، بعد النزيف البشري الذي عرفته دواوير “بني بوصالح”، “توابة”، “سيدي صالح”، و”سيدي عبد الله بوعمران”، وهي مساحات كان من الممكن أن تحتضن مشاريع تنموية لفائدة قاطني مدينة مناصر. كما شكل تواجد هذه العائلات عبئا آخر على البلدية، لم تسلم منه حتى قسمة حزب جبهة التحرير الوطني، التي تحولت إلى ملجأ للعائلات الفارة من الإرهاب من دوار “سيدي عبد الله بوعمران” الذي هجرته نحو 20 عائلة. وتشير الإحصائيات إلى أن بلدية مناصر، ولأسباب متداخلة، لم تستفد منذ سنة 1962 إلا من ثلاثة برامج سكنية في إطار السكن الإجتماعي بمجموع 205 وحدة فقط، وهو واقع يحاول المسؤولون الحاليون تداركه من خلال المطالبة بتخصيص مشروع استعجالي يكفل الإستجابة ل1700 ملف طلب سكن، وإعادة إسكان 56 عائلة نازحة ترفض العودة. ويعتقد العارفون بشؤون البلدية، أن مغامرة بعض المواطنين النازحين من دواوير سيدي عبد الله بوعمران والزاوية، بإنجاز سكنات فوضوية ب “كاف لعرايس” المشكل من مادة السيليس، رغم خطورة ذلك نتيجة انزلاق التربة، يعتبر دليلا على انسداد الآفاق بعد أن دفعت الأزمة بأفراد بعض العائلات إلى المبيت بالتناوب. ولأجل استدراك الوضع سارعت السلطات العمومية إلى تخصيص مشروع 100 وحدة سكنية للقضاء على السكنات الهشة بمنطقة “المشمش” و50 سكنا بحي “فجانة” للقضاء على الحي القصديري، و50 وحدة أخرى ب “سي عمران”، و20 مسكنا، بلغت نسبة 80 بالمائة من الإنجاز بالقرب من الملعب. كما تم إطلاق دراسة المخطط التوجيهي للتهيئة العمرانية التي سمحت بتوفير مساحات من شأنها استقبال 1000 وحدة سكنية من النمط الإجتماعي، في حين يبقى 1200 طلب سكن ريفي ينتظر الفرج، فيما استفادت نحو 400 عائلة من سكنات في هذا الإطار. ويرى رئيس البلدية أنه في حال توفير المزيد من السكنات، سيمكن ذلك من عودة 20 بالمائة من النازحين على الأقل، بعد أن سادت ذهنية ‘'لعنة الريف'' باقي العائلات التي اعتادت على حياة المدينة بعد سنوات طويلة من الهجرة، وهي حقيقة يدركها المسؤولون جيدا بعد أن ظلت سدا منيعا في وجه مساعي إعادة إعمار الريف. الصرف الصحي والغاز الطبيعي.. حلما السكان اللذان لم يتحققا تطارد لعنة العطش سكان المجمعات السكنية الريفية البعيدة عن المحيط الحضري للبلدية ممن يعانون عطشا مزمنا، كما هو الحال بدواويير “تملول”، “بويعقوب”، “وادي ايسلان” و”توارس” و”بوحرب” وغيرها من المناطق النائية، رغم توفر الينابيع الطبيعية. وتبقى حياة هؤلاء مرهونة بالتنقلات عبر مسافات طويلة مشيا على الأقدام أو باستخدام الدواب لجلب قطرات الماء، إذ ما يزال هذا المشكل يحرك ألسنة السكان المطالبين بتوفير أبسط شروط الحياة، خاصة أن هناك من بين هذه الدواوير التي لم تعرف إلى غاية اليوم معنى قنوات للصرف الصحي، كما هو الشأن لدوار “بوحرب” و”بويعقوب”. ويأمل السكان أن تمسهم عمليات الربط بشبكات مياه الشرب، كما كان حظ دواوير “ايعزابن” و”سيدي موسى” و”تيغزة” و”مكلاتة” بالجهة الجنوبية الشرقية للبلدية، وغيرها من الأحياء التي نعمت بالماء. كما لا يزال لسان حال أهالي الدواوير يطالب بتهيئة الطرقات التي تعرف حالة متقدمة من التدهور.. والحال هنا ينطبق على دوار “سيدي بوعمران” و”سيدي صالح” مرورا بدواوير “لغراس” و”أبياضت” بطول 5 كلم و”تامدلست” إلى “توارس” على مسافة 2 كلم، ومناصر المركز إلى “الكابير” على مسافة 5,4 كلم ودوار “بوحرب” إلى حدود بلدية سيدي سميان على مسافة 2 كلم، وكذا “سيدي صالح” إلى دوار “أوقنانس” على مسافة 4 كلم. من جهة أخرى ينتظر السكان تجسيد وعد وزير الأشغال العمومية، الذي مرت عليه أكثر من سنتين، بتهيئة الطريق بين بلديتهم إلى حدود بلدية حجوط بالجهة الشرقية كمنفذ رئيسي يعرف تدهورا كبيرا. وما يزال سكان بلدية مناصر الأم يعيشون تحت وطأة البرد القارص، خاصة أن المنطقة الجبلية تعلو سطح البحر بنحو 450 متر. وما لم يفهمه هؤلاء هو تجاوب المسؤولين مع مطلبهم بتوفير هذه المادة الضرورية من منطق ضرورة الإنتظار، وهو ما يفسره السكان على أن الطبيعة الجبلية للبلدية التي عانت ويلات الإرهاب والعزلة لسنوات طويلة لم تشفع لهم في جلب الغاز الذي يمر أنبوبه الرئيسي المتوجه نحو حجرة النص وسط إقليم البلدية. وإذا كانت متاعب سكان المدينة بهذا الشأن تختصر في حمل قارورات الغاز على الأكتاف وتجرعهم معاناة الندرة في عز الشتاء، فإن عزاء سكان الدواوير البعيدة هو الإكتفاء بالحطب كبديل وتحمل تبعات حمل قارورات غاز البوتان على مسافات طويلة بعد شرائها بمبالغ تتعدى 250 دج للوحدة . حافلتان للنقل المدرسي ل 27 دوارا.. ووعد بن بوزيد لم يتحقق يلقي سكان بلدية مناصر باللائمة على وزير التربية والتعليم، أبوبكر بن بوزيد، ‘'الذي لم يف إلى حد الساعة بوعده المتعلق بتخصيص حافلتين للنقل المدرسي'' خلال زيارته لمتوسطة تملول بأعالي البلدية. ويذكر السكان أن الوزير نسيهم بعد آخر زيارة اطلع فيها على متاعب تنقلات أبناء الدواوير البعيدة عن مقر البلدية، وحتى عن المدارس الإبتدائية التي لا تتوفر على مثل هذه المؤسسات، وفي مقدمتها دوار “بوحرب” و”بويعقوب” اللذان وعد الوزير بحافلتين لنقل تلاميذ المتوسط والثانوي بهما، في وقت لا تتوفر البلدية إلا على حافلتين للنقل المدرسي، بعد أن التهمت ألسنة النيران الحافلة الثالثة السنة الماضية عندما كانت مركونة بحظيرة البلدية بسبب شرارة كهربائية تنتظر البلدية حاليا تعويضات بشأنها..؟! وأمام بقاء المشكل قائما، يضطر أبناء دوار “بويعقوب” ودوار “بوحرب” على بعد 12 كلم عن مقر البلدية، إلى التنقل عبر مسافة 4 كلم مشيا على الأقدام لبلوغ قرية “تملول” وركوب حافلات النقل الخاصة لبلوغ مقاعد الدراسة بالثانوية المتواجدة بمناصر المركز، وهو وضع يتقاسمه أبناء أغلب الدواوير المتبقية خاصة تلاميذ الثانوية. مجمعات سكنية مريضة على حافة وادي لحشم يئس سكان أحياء “المناجم” و”لارباس” و”الزجاج” وحي “المنكوبين”، وهي مجمعات سكنية يضم كل واحد منها ما بين 200 إلى ما يفوق 500 عائلة، من توجيه نداءات الإستغاثة إلى المسؤولين بشأن انتشالهم من حالة الإغماء المزمنة الناجمة عن التواجد في محيط ملوث جراء تصريف المياه القذرة التي تصب بوادي لحشم الآتية من المجمعات السكنية بالمدينة، وحتى الأحياء المجاورة لتصب مباشرة بسد بوكردان. ويذكر أرباب العائلات المقيمة بالمنطقة واقعهم بأسف شديد أمام استمرار معاناتهم منذ تواجدهم بحي المنكوبين إثر استفادتهم في إطار التعويض من زلزال 1989. وحسب هؤلاء، فإن مختلف الشكاوى التي وجهت للسلطات المختصة بشأن إنهاء حالة التسرب الفوضوي للمياه العكرة وإنقاذ العائلات القاطنة بالمكان من مخاطر الإصابة بالأوبئة، لم تجد متابعة، وهو وضع ينطبق على سكان أحياء “لارباس” و”الزجاج” و”المناجم” الذي يشكو من مشاركة القوارض و الحشرات الناقلة للمرض العائلات منازلها. وتؤكد التقارير التي رفعها سكان هذه المجمعات إلى المسؤولين خطورة الوضع، وهو ما تؤكده أيضا لسعات الحشرات الناقلة للمرض التي كانت وراء إصابة عدة أشخاص بأورام والتهابات جلدية. كما تشكو مائة عائلة بحي المناجم من غياب التهيئة و تآكل الطرقات التي تحولت لمجمعات للحفر والبرك المائية ومبعث للغبار صيفا وغياب شبه كلي للإنارة العمومية، رغم تواجد الحي على مقربة من الغابة. ويلح السكان على إقامة ممر علوي للراجلين يربطهم بباقي الأحياء لكون الممر المنجز بطريقة تقليدية من طرفهم وعلى أرضية طينية، يعرف انزلاقات للتربة، ما يشكل خطورة على قاطني الحي. ويرى (جمال. ت)، وهو أحد الناشطين لتحسين أوضاع السكان، أن القضاء على مشكل إفرازات وادي لحشم يكمن في تجسيد مشروع تهيئته باستخدام الإسمنت المسلح على مسافة كيلومتر، وتخصيص مشروع قنوات الصرف الصحي بالمجمعات السكنية القريبة من الوادي .