إضافة إلى سحر الصورة وأناقة ضيوفه السائرين على بساطه الأحمر، لم يغب الجدل السياسي عن الطبعة ال 63 لمهرجان كان السينمائي الذي افتتح قبل يومين دورته، بسلسلة من التصريحات “الفنو- سياسية” منذ أولى لحظات الإفتتاح، بدا واضحا أن هذه الدورة من المهرجان ستسوق للكثير من الرؤى والأفكار السياسية التي حملها صنّاع السينما العالمية في حقائبهم كما حملوا بكرات أفلامهم المعروضة للمنافسة، إضافة إلى أصوات عرّابي السينما في العالم الذين استغلوا بساط “كان” الأحمر المشع وأضواء الإعلام الباهر، لقول كلمة فنّ يراد بها سياسة، على غرار ما فعله رئيس لجنة التحكيم، السينمائي الأمريكي المشاكس تيم بورتون، الذي ما إن وصل إلى أعلى البساط الأحمر، حتى أطلق صرخة سياسية غير معهودة، مخاطباً الجمهور الحاضر، بقوله: “إن روعة الطقس هذا العام، وتألّق النجوم، والأجواء الساحرة التي تحظى بها الكروازيت دائماً، لا يجب أن تنسينا أنّ واحداً من أعضاء لجنة التحكيم التي أرأسها لن يكون بيننا، لأنّه مسجون في إيران”.. وقصد بذلك السينمائي جعفر بناهي الذي كان يُفترض أن يشارك في المهرجان بوصفه عضو لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، إلا أنّ السلطات الإيرانية احتجزته على خلفية مواقفه المعارضة للنظام. ولسبب غامض لم يعثر أحد على تفسير مقنع له، امتنع تيم بورتون عن إلقاء الكلمة التقليدية لرئيس لجنة التحكيم في حفلة الافتتاح، إلا أنّه أصرّ على تخصيص كرسي شاغر في منصة لجنة التحكيم، وُضعت عليه لافتة كُتب عليها اسم جعفر بناهي. من جهته وجه المخرج الأمريكي، أوليفر ستون، انتقادات شديدة لعالم المال والأعمال.. وقال المخرج الحاصل على جائزة الأوسكار: “تراجعت أجور العاملين في الولاياتالمتحدة بشكل واضح منذ سبعينيات القرن الماضي في حين ارتفع حجم الإنتاجية بشكل كبير، الأمر الذي صنع فجوة كبيرة”. وأضاف ستون في تصريحاته التي جاءت خلال العرض الأول لفيلمه الجديد “وول ستريت، المال لا ينام أبداً” يوم الجمعة:”هناك ظلم كبير وعدم مساواة وهي أشياء يجب تصويبها”. وأكد ستون أن المرء لم يتعلم كثيرا من الأزمة المالية الأولى قائلا: “كان الأمر مثل الإصابة بالسكتة، تم إجراء ثلاث عمليات قلب مفتوح، ولكني لا أعتقد أننا حللنا المشكلة بالفعل”. إضافة إلى الصوت السياسي المباشر الذي أطلقه صنّاع السينما على البساط الأحمر، حملت الأفلام التي عرضت إلى غاية اليوم الثالث من المهرجان رسائل سياسية واضحة، حيث قدم نجم مهرجان كان السينمائي لهذا العام، الممثل الأمريكي مايكل دوغلاس، فيلمه الجديد “الرجل المنفرد”، وهو فيلم يدور في فلك أحداث الساعة لأنه يعالج مشكلة الأموال والمضاربات المالية في البورصة العالمية والنظام المصرفي الأمريكي. أما الفيلم الأكثر إثارة للجدل السياسي، والمنتظر عرضه في الأيام القليلة القادمة، فهو فيلم الجزائري رشيد بوشارب الذي قلل من هرج التصريحات السابقة برسالة عن فيلمه “خارجون عن القانون”.. قال فيها: “إن الأسابيع ال3 الماضية شهدت مناقشات ساخنة أثارها الفيلم، على الرغم من أن المشاركين فيها لم يشاهدوه”. ورغب بوشارب في التركيز على نقطتين أساسيتين بهدف استعادة بعض الهدوء في ظل السياق المتوهج، أولهما أن الفيلم تدور أحداثه حول قصة خيالية تعتبر ملحمة تروي قصة 3 أخوة جزائريين ووالدتهم على مدار ما يزيد عن 30 عاما تنتهي باستقلال الجزائر في 1962. وأضاف المخرج أن السينما يجب أن تظل في وضع يمكنها من معالجة كافة جوانب أي موضوع، مؤكدا أنه طبق ذلك خلال إخراجه الفيلم بأحاسيسه الخاصة دون إجبار أحدهم مشاركته إياها. كما قال إن مناقشة الفيلم العامة سوف تأتي بعد عرض الفيلم، مؤكدا أنه يرى أنه من الطبيعي أن بعض الناس قد لا يتفقون مع فيلمه، لكنه يأمل أن يعبر عن مثل هذا الخلاف في مناخ هادئ باعتباره جزءا من تبادل الأفكار الهادئ.