غريب أمركم يا مملكة النور والخير والإنسانية، تسمحون للنساء بقيادة الطائرة في السماء، وتمنعونهن من قيادة السيارة في الأرض، لا أدري أيهما أكثر خطورة ؟ أم أنها فقط صورة للاستهلاك العام لإبعاد اللوم عن المملكة، وتسوقون عنها صورة أخرى غير التي رسخت في الأذهان، على أن النظام السعودي يضطهد المرأة ويحرمها من حقوق المواطنة، وهي الصورة التي أضرت بكم أمام أصدقائكم الأمريكان. يقول النص الإشهاري الذي نشر أمس بمناسبة مرور خمس سنوات على تولي الملك عبد الله عرش المملكة، في فترة عرفت خلالها المملكة طفرة مالية غير مسبوقة بفضل هدم العراق، إن المرأة السعودية اقتحمت كثيرا من المجالات التي اعتبرت حكرا على الرجال في العديد من البلدان العربية، ويعطي مثالا بالسيدة التي صارت تقود الطائرة في هذه المملكة التي تحكمها تقاليد هاربة من العصر الحجري، ويا ليتها التزمت حقا بتقاليد المجتمع الإسلامي التي أراد النبي (ص) غرسها وتوريثها للأجيال في منطقة الحجاز وفي كل ديار الإسلام. أعرف أن المرأة السعودية لا تقل ذكاء عن مثيلاتها في البلدان الأخرى، عربية كانت أم غربية، وأن المرأة السعودية متعطشة أكثر من غيرها للحرية والانعتاق من سجن النظام السعودي الذي سلبها أدنى حقوقها كإنسان. والدليل رسائل السعوديات عبر مواقع الصحف الجزائرية، رسائل تهنئنا أحيانا وتحسدنا أحيانا أخرى على درجة الحرية التي نتمتع بها كجزائريات، وخاصة حرية التعبير، التي نادرا ما تجدها أخواتنا السعوديات لدى الشعوب العربية الأخرى، وحرية التصرف بأنفسنا في حياتنا بمسؤولية كاملة. هذا ما لم تحققه السعودية، رغم نعيم الثراء الذي تتمتع به، لكنه لم يملأ الفراغ الذي تعانيه، فراغ لا تملؤه حتما لا قيادة الطائرة، ولا حتى قيادة مركبة فضائية، لأن الذي تريده أختنا السعودية هو تغيير نظرة المجتمع إليها على أنها مجرد جسد، ومجرد رحم لإنجاب الرجال ليس إلا، وليست "هنادي هندي" كأول طيارة التي تقوم اليوم بدور خنزير هندي في مخبر تجارب النظام السعودي، التي ستحرر السعوديات من هذا الفراغ الروحي الذي تسببه لهن حياتهن خلف جدران القصور وجدران الجلابيب. قرأت منذ أيام مقالا في صحيفة سعودية يقول لو أن السعوديات كشفن عن وجوههن لانبهر العالم من جمالهن، وهذا أكيد صحيح، لأن السعودية ليست جميلة فقط، إنها ذكية، وذكاؤها هو الذي ساعدها على المقاومة طوال كل هذه السنين، مقاومة نظام آل سعود، الذي لم يسلبها فقط حريتها، وإنما سلبها أيضا هويتها كحجازية، وفرض عليها الانتماء إلى آل سعود، الأسرة التي نصبت نفسها حاكمة على أطهر أرض ..