أصدرت محكمة سعودية على مواطنة سعودية حكما بجلدها 300 جلدة والسجن مدة 18 شهرا، لا لشيء إلا لأنها تجرأت ورفعت شكوى أمام العدالة ضد مسؤولين في القضاء دون أن تستعين بولي شرعي، أي أنها لم تستعن برجل! هذا الخبر نشرته قناة "الحرة" الأمريكية استنادا إلى منظمة "هيومن رايتس وتش" الأمريكية، في تقرير لها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. الخبر في حد ذاته ليس غريبا، لأنه صادر عن السعودية، المملكة التي تضم كل المتناقضات، ومجتمع مازال يتعامل مع المرأة على أنها غير كاملة الأهلية. فالمرأة السعودية ليست ممنوعة من قيادة السيارة فقط، وإن كان هذا الأمر يعد من الكماليات في هذا البلد الذي تتمتع فيه نسبة كبيرة من النساء بالثراء الفاحش، فليس من حق المرأة السعودية مثلا أن تضع اسمها على رسالة تصلها عبر البريد! وكم استغربت هذا الأمر عندما طلبت من سعودية التقيتها في برنامج بأمريكا عنوانها بنية التواصل معها، فوجدتها تكتب لي اسم زوجها وعنوان البيت، ولما سألتها عن السبب، قالت "ليس من حق النساء تلقي ولو رسائل عبر البريد بأسمائهن الشخصية". صحيح إن المرأة السعودية صارت تتمتع بمستوى من التعليم وخرجت إلى سوق العمل في شتى ميادينه ملفوفة في عباءتها السوداء، راكنة خلف سائقها الشخصي، لكن ليس من حق السعودية حتى اليوم أن تسير بمفردها في الشارع دون أن تتعرض إلى مضايقات تصل أحيانا حد الاختطاف والاغتصاب. فقد روت لي زميلة سابقة قصة جارة قريبتها بالرياض، أوصلها زوجها إلى عمارة والدتها، ولما لم تجدها خرجت إلى الشارع لتعاود الاتصال بزوجها حتى يعود إليها، فإذا بها تجد نفسها تتعرض لاختطاف واغتصاب من طرف أعوان أمن، ولما رفعت شكوى هي وزوجها، أتوها بكل رجال الشرطة العاملين بالمركز محل الجريمة، إلا مغتصبيها ... ولست هنا لأعدد الأمراض الاجتماعية الناجمة عن قوانين جائرة ضد المرأة في هذه الأرض التي كان من المفروض أن تكون أكثر بقعة في الأرض عدالة واحتراما للبشر، وإنما لأقول أن النفاق السعودي سيستمر قرونا أخرى، مادام النفط يتدفق بغزارة على المصانع الأمريكية وبأبخس الأثمان، ولن يفيد تقرير هذه المنظمة التي ليست لخدمة الديمقراطية بقدر ما هي وسيلة في يد النظام الأمريكي تهدد بواسطتها البلدان الرافضة للانصياع للسياسة الأمريكية، ومازال السعوديون الذين ينفقون الملايير على شقراوات أوروبا وجميلات لبنان، لسنوات أخرى إن لم أقل قرونا يستبدون بالمرأة السعودية ويتفنون في إذلالها كيفما يحلو لهم، ولن تنال منهم تقارير منظمات حقوق الإنسان الأمريكية، مادامت المملكة تخدم مصالحهم.