عندما قال الأستاذ محمد حسنين هيكل في الجزيرة قبل سنوات: "إن فكرة الوطنية لم تعد حلا للسودانيين والفلسطينيين"! لم يفهم الناس ما قصده هيكل بما قال.. حتى جاءت الأحداث الأخيرة في فلسطين والسودان لتكشف عن المضمون الذي تنبأ به هيكل! ففشل الحل الذي بشرت به أمريكا القائم على الدولتين يعني تبخر الحلم الفلسطيني في قيام دولة على جزء من الأرض.. وهذا معناه تقسيم فلسطين مرة ثانية ولكن بين 5 دول، هي إسرائيل التي ستأخذ 90٪ من فلسطين التاريخية، والأردن التي ستأخذ 4٪ وهي الضفة الغربية مع مصر التي ستأخذ غزة، وسوريا التي تعاد إليها الجولان مع 2٪ من فلسطين التاريخية تتقاسمها مع لبنان! هذا هو المعنى المباشر لإعلان فشل مفاوضات الحل النهائي! أي أن الفلسطينيين هم الآن بصدد تضييع الوطن معنويا بعد أن ضيعوا الوطن جغرافيا قبل 60 سنة! أما السودان فإن فكرة انفصال الجنوب قد نشطت قبل الاستفتاء.. وجاءت متزامنة مع تحرك في دارفور وتنشيط مصر لموضوع حلايب وضم حكومة السودان إلى مصر في موضوع الحوار حول تقاسم مياه النيل! ومعنى هذا الكلام أن مصر تريد لنفسها وضعا في السودان شبيها بوضعها مع غزة! وهذا هو المعنى الذي قصده هيكل بانتهاء الوطنية كحل في فلسطين والسودان! أبو الغيط طار إلى إثيوبيا لأول مرة منذ محاولة مصريين قتل الرئيس مبارك في إثيوبيا واتهام مصر للسودان وإثيوبيا بالتآمر ضد رئيسها.. رغم أن إثيوبيا والسودان أعلنتا أن الأمر له علاقة بالوضع الداخلي في مصر وليس لهما أي دور فيه! وعندما نشبت الحرب بين إيريتيريا وإثيوبيا سكتت مصر عن الموضوع رغم أن الحرب تجري عند منابع النيل! بل ورأت مصر في هذه الحرب عملية إضعاف لإثيوبيا كما أن تدخل إثيوبيا في الصومال سكتت عنه مصر الجامعة العربية.. وهي التي لم تسكت على صدام عندما اجتاح الكويت العضو في الجامعة العربية! وعندما تدخلت الجزائر لحل النزاع الإثيوبي الإيريتيري عبرت مصر عن امتعاضها من الجزائر التي حشرت أنفها عند منابع النيل! ولذلك حاولت تقزيم دور الجزائر في الجامعة العربية! وعندما أنشأ بوتفليقة مع طابو مبيكي ورئيس نيجيريا ما سمي ب"مبادرة النيباد" لم يرق الأمر لمصر وبقيت خارج هذه المبادرة تماما مثلما كان لها نفس الموقف السلبي من الأمور التي قام بها القذافي منذ سنوات نحو إفريقيا! واليوم بعد أن انتهى الدور المصري في إفريقيا جاء الحديث المصري مع الأربعة الكبار حول أحقية مصر في تمثيل إفريقيا في مجلس الأمن إلى جانب جنوب إفريقيا ودولة أخرى فرانكوفونية تفضل مصر أن تكون السينغال! مصر التي نفضت يديها لسنوات من إفريقيا تريد الآن أن يكون لها دور في تمثيل القارة في الأمم المتحدة! مع أن أصحاب الحق في هذا التمثيل هم من عمل مع إفريقيا لسنوات في مجالات الأمن والتنمية مثل مبادرات النيباد.. ومبادرات القذافي! لكن مصر تريد من ساركوزي وأوباما وإسرائيل وحتى الصين أن ينصبوها على رأس إفريقيا.. وقد وصل الأمر إلى حد أن الرئيس مبارك لم يتحرج من مفاتحة بوتفليقة في الأمر هذا رغم أنه في حالة حداد وأن الزيارة عزائية وليس من المناسب إثارة مثل هذه المواضيع! لكن مصر هي مصر دائما! تصرفاتها لا تعترف بطقوس العزاء ومقتضيات الديبلوماسية عندما يتعلق الأمر بالمصالح!