اليوم، "يفضّ سوق المونديال ويتفرّق المداحة"، وقد نعيش في الأيام القليلة القادمة الرمق الإعلامي الأخير من القيل والقال حول عوالم هذا المجمع الكروي القادر - بسحره - على تثبيت عيون ملايين المشاهدين على البساط الأخضر.. وفي هذا الصدد لن أفوّت فرصة التشبّث في الخيط الأخير لهذه الحكاية العالمية التي قد نعيشها وقد لا نعيشها في موسمها البرازيلي القادم.. "الماتادور الإسباني، الطواحين الهولندية، المانشافت الألماني، الفيلة الإيفوارية، أسود غانا، النسور النيجيرية، راقصو التانغو، سحرة البرازيل أو راقصو السامبا..".. هي كنيات بعض المنتخبات التي دخلت الحلبة المونديالية قبل أكثر من شهر.. وهي كنيات فيها إحالات رمزية معجونة بمفاهيم الحزم أو القوّة أو السحر أو الإبداع، مما يُضفي على تلك المنتخبات لمسة من "المنافسة الإسمية"، إن صحّ التعبير. هذه الإحالات الإسمية دفعتني، اليوم، إلى التأمل في كنيات منتخبنا الوطني، وهو المنتخب الذي دخل حلبة المونديال مشتّت التسميات، ولم يحتكم على كنية صريحة بعد، فمرّة نسمّيه "منتخب الأفناك" ومرّة أخرى "منتخب الخضر" ومرّة ثالثة "الخضرا" (بالتأنيث)، ومرّة رابعة "محاربو الصحراء".. وكلها - وإن لم تثبت بعد - صفات إسمية ظالمة، في اعتقادي، وليس لها أساس من تشبيه الموصوف.. والأدلة في مذهبي ما يلي: - الأفناك: صحيح أن "الفنك" حيوان ذكي ونادر عالميا، وأنّ الطبيعة اختارت له صحراء الجزائر موطنا وسكنا.. ومعقول جدا أن "نُقلّشهُ" ونحافظ عليه ولو معنويا، لكنه بالمقابل حيوان ضعيف ومغلوب على أمره، ومن أهم أسلحة العيش لديه الإختباء والتخفّي، خصوصا إذا رأى نسرا نيجيريا أو أسدا غانيا أو فيلا إيفواريا.. وإذا قال قائل منكم إن تشبيه لاعبي منتخبنا بحيوان الفنك جاء انسجاما مع الخصوصية أو المحليّة فقط، فلماذا لا نطلق على منتخبنا اسم "منتخب المقنين" مثلا، باعتبار أن طائر الحسّون، طائر جزائري حرّ، ثم إن تسريحات شعر شاوشي ورفقاءه تنسجم مع تسريحة المقنين!! - الخضر: هذه الكنية بالذات، أجزم أنها تُغيظُ أشقّاءنا الليبيين، باعتبار أنهم السبّاقون لحجز رمزية اللون الأخضر، لكن وبعيدا عن مبدأ الحجز، ما الذي يتغيّر إذا قرأنا كلمة "الخضر" بفتحة على حرف الضاد.. والخُضَرُ كما يعرف الجميع سهلة على الهضم.. - الخضرا: هذه الصفة المؤنّثة، هي التي توتّرني أكثر، لأنها تذكّرني بجدّتي "خضره" رحمها الله، والتي لم أعثر لها في ذاكرتي على صورة تظهرها بكامل عافيتها.. كانت "خضره" رحمها الله، مثالا للمرض المستديم.. ولكم أن تتصوروا - رمزيا - عجوزا مريضة في مونديال رجال..!! - محاربو الصحراء: أما هذه التسمية، فلن أعلّق عليها كثيرا، لأنها قد تحيلني إلى سيميائيّة لفظتي الحرب والتصحّر، ثم إن تسمية محاربو الصحراء، كفيلة وحدها بأن تقنع أي غريب عن ديارنا أن الجزائر مجرّد بلد أصهب، أو امتداد صحراوي باهت، على رأي الكاتب المصري الحاقد يوسف زيدان..