انسحبت القوات الأمريكية من العراق.. أو قيل إنها انسحبت وانتهت مهماتها القتالية، حسب الرئيس الأمريكي باراك أوباما.. ولكن، لقد تركت هذه القوات خلفها ميراثا إجراميا سوف يمنع نهوض هذا البلد من محنته لعشرات السنين، بعد أن وضعت نظرية إبادة ”النفايات السكانية” قيد التطبيق، وليس في العراق وحده على كل حال، إذ كشفت التقارير التي نشرها مؤخرا موقع ويكيليكس، حجم الجرائم المرتكبة من قبل القوات الأمريكية في أفغانستان أيضا. لا يمكن حصر الأضرار الهائلة التي سببها الغزو الأمريكي للعراق في أسطر أو مقال، فلقد فاقت كل التوقعات، إذ عدا عن تدمير البنى التحتية والمؤسسات الرسمية، ”باستثناء المؤسسة النفطية بالطبع”، فإن القوات الأمريكية خلّفت وراءها مئات الآلاف من العراقيين المعاقين، وكذا خلفت آثارا ستفعل فعلها في عدة أجيال قادمة، تشويها وضررا بسبب ما استخدمته من أسلحة ”يقال إنها محرمة دوليا”. يقدر عدد العراقيين المعاقين بسبب الغزو والإحتلال من الذين فقدوا أحد أطرافهم أو أكثر، بنحو مليون ونصف المليون، منذ الغزو الأمريكي للعراق، والعدد مرشح للزيادة بسبب الألغام الأرضية التي تركها الجيش الأمريكي في الأراضي العراقية. النفايات السامة لقد استخدمت الولاياتالمتحدة الأرض العربية العراقية مقبرة للنفايات السامة، ثم ما تنفك تدعي أن النفايات تلك من مخلفات النظام السابق.. لكن دراسة أجريت على خمس مناطق عراقية، أثبتت أن هنالك نفايات خطرة مدفونة في تلك المناطق، وهي من مخلفات القواعد العسكرية الأمريكية، ما يشكل انتهاكا حتى لأنظمة وزارة الدفاع الأمريكية ”البنتاغون” المتمثلة في ضرورة إعادة تلك المخلفات الخطرة إلى أمريكا. تقول الدراسة التي نشرت قبل ”انسحاب الجيش الأمريكي” من العراق في صحيفة التايمز، إنه عدا اكتشاف تلك المواد، فإن هنالك تسربا للزيوت من براميل بسعة 55 غالونا فوق الرمال في مناطق شمالي وغربي بغداد، كما تتناثر بأماكن مختلفة علب صغيرة مفتوحة تحوي أحماضا خطيرة في متناول أيدي الأطفال، كما توجد مخلفات مؤلفة من بطاريات تحوي مواد سامة بأماكن قريبة من مزارع تعتمد على الري. يعترف مقاول أمريكي يعمل مع الجيش بدفن تلك النفايات، مؤكدا اعترافاته بالوثائق، ومنها وثيقة صادرة عن البنتاغون عام 2009، تفيد أن حجم المخلّفات الخطيرة للقوات الأمريكية هناك بلغ 11 مليون باوند أو قرابة خمسة آلاف طن، ويعترف عميد في الجيش الأمريكي ”كيندال كوكس”- وهو المسؤول عن الشؤون الهندسية والبنية التحتية بالعراق - أنه أشرف على دفن 14.5 ألف طن من الزيوت المستخدمة أو التراب الملوث بالزيوت المستخدمة، والتي تجمعت على مدار سبع سنوات. الآثار المرعبة غير القابلة للزوال إلى زمن! تتسبب المخلفات للعراقيين الذين يقتربون منها أو يلمسونها بطفح جلدي وبثور وقروح مؤلمة بأيديهم وأرجلهم، ويشكو بعض المصابين منهم من جراء التقيؤ والكحة، حتى إنه شوهدت فئران نافقة قريبا من مكبات النفايات وبجانب الحاويات والعبوات المدفونة. يكشف مواطن يقطن بالفلوجة عن يديه وساقيه ليعرض الأورام والتقيحات التي أصابت جلده جراء عمله بمجال الخرداوات المعدنية، أو ما يعرف ب”السكراب”، من مخلفات القوات الأمريكية، حيث شخص له الطبيب إصاباته بكونها ناتجة عن التعرض لمواد كيمياوية خطيرة. الشركات المختصة بإعادة التدوير والموجودة داخل القواعد الأمريكية بالعراق، تقوم هي أيضا بخلط المواد الخطرة مع المخلفات المعدنية العادية قبل تزويد المقاولين المحليين بها. الحال يتكرر مع عدد من العاملين بساحات ”السكراب” من الإصابة جراء التعامل مع المخلفات المعدنية للقوات الأمريكية، حيث يقول صاحب ساحة سكراب آخر: ”إن العمال سرعان ما يصابون بالكحة ويبدؤون بالسعال عندما يقومون بإفراغ بعض الحاويات من محتوياتها”، وإن بعض العمال تصاب جلودهم بالحساسية والتقرحات مما يجعل بعضهم يترك العمل برمته. والمفارقة أن الأمر الذي تنكره دوما وزارة الدفاع الأمريكية ”البنتاغون” مكشوف تماما، إذ يمكن وبسهولة رؤية ملصقات على عبوات المواد السامة والخطيرة المدفونة في أراضي العراق تثبت أن ملكيتها تعود للجيش الأمريكي، أو يرافقها تخويل بالعمل صادر عن وزارة الدفاع الأمريكية. وتشير بعض الملصقات الموجودة على بعض الحاويات المهملة والمخلفات الأخرى إلى احتوائها على حامض الكبريت والسوائل الأخرى الحارقة، وتفيد بعض الملصقات بأن المخلفات تحوي مواد تسبب حروقا شديدة للجلد والرئتين؛ والأهم، وجود مكبات للنفايات الأمريكية الخطيرة على مقربة من الطرق العامة في بغداد والفلوجة والموصل. كما تنتشر مخلفات خطرة وسامة متنوعة في مناطق متعددة من أنحاء العراق تتراوح بين مؤشرات تلوث الأراضي، أو مصافي زيوت آليات ثقيلة بجانب عبوات غاز أو اسطوانات تحوي غازا مضغوطا، بالإضافة إلى براميل تحوي وقود طائرات مختلطة بعبوات وحاويات تحوي سوائل غير معروفة. وإمعانا في الجريمة، فقد كشف أنه تم استخدام طلاء أسود لتغطية وطمس الإشارات الحمراء التي تحذر من خطورة محتويات بعض العبوات مثل ”مواد حارقة” أو ”احفظها بعيدا عن متناول الأطفال” أو”يمنع التدخين على مسافة 15 مترا” أو ”سائل قابل للإشتعال” وغيرها.. أفعال الجيش الأمريكي في الفلوجة ما حدث في مدينة الفلوجة العراقية شاهد على حجم الجرائم الأمريكية التي ارتكبت هناك، إذ تكشف دراسة أن الزيادة في معدلات الوفيات في أوساط الأطفال والإصابة بالسرطان واللوكيميا بمدينة الفلوجة العراقية التي تعرضت للقصف الأمريكي عام 2004، فاقت المعدلات المعروفة في هيروشيما وناغازاكي اللتين قصفتا بقنبلة نووية عام 1945. منذ عام 2005 لاحظ الأطباء العراقيون أن هناك زيادة في أعداد الأطفال المصابين بعيوب خَلقية، تراوحت بين فتاة مولودة برأسين إلى الإصابات بالشلل في الأطراف السفلى، كما لاحظوا زيادة كبيرة في أعداد الإصابات بالسرطان مقارنة بالفترة التي سبقت الهجوم الأمريكي على الفلوجة، وقد تعززت تلك الملاحظات، حين نشرت ال”اندبندنت”، دراسة لمختصين ميدانيين أشاروا فيها إلى أنهم وجدوا ارتفاعا في جميع حالات السرطان بمعدل أربعة أضعاف، و12 ضعفا في الإصابة بهذا المرض لدى الأطفال أقل من 14 عاما. يؤكد الطبيب كريس باسبي، من جامعة أولستر المشرف على الدراسة التي شملت 4800 فرد في الفلوجة، أن ”مثل تلك النتيجة تنجم عن تعرض كبير لمؤثرات وقعت لدى الهجوم عام 2004، وأن مدى التغير الجيني الذي يعاني منه سكان المدينة يشير إلى استخدام اليورانيوم، مضيفا: ”أعتقد أنهم ”أي الأمريكيين” استخدموا سلاحا جديدا ضد المباني لتخترق الجدران وتقتل من بداخلها”. لاحقا.. أقرت القوات الأمريكية بأنها استخدمت الفوسفور الأبيض ومواد أخرى في هجومها على الفلوجة”. يذكر أن الطبيب باسبي، يشير أيضا إلى أن أنواع السرطان في الفلوجة العراقية، مشابهة لتلك التي أصابت الناجين من سكان هيروشيما الذين تعرضوا للإشعاع المؤيّن إثر سقوط القنبلة الذرية. في الدراسة البحثية أيضا، والتي اشترك في إنجازها 11 باحثا وشملت 711 منزلا في الفلوجة، خلال جانفي وفيفري من هذا العام، يذكر باسبي أن الإصابة باللوكيميا ارتفعت بمعدل 38 ضعفا، وأن معدلات سرطان الثدي زادت بنسبة عشرة أضعاف، إلى جانب الزيادة الكبيرة في أورام المخ لدى الكبار، ورغم أن ارتفاع معدلات اللوكيميا في هيروشيما زاد 17 ضعفا، فإن ما يثير الدهشة في حالة الفلوجة هو سرعة الإصابة بالسرطان وليس مجرد انتشاره. الجرائم الأمريكية أثرت أيضا على حالات الخصوبة، إذ كشفت الدراسة أن هناك تغييرا في نسبة المواليد من الذكور والإناث، فبينما كانت في الحالات الطبيعية 1050 من الذكور مقابل 1000 من الإناث، انخفضت نسبة المواليد الذكور بعد 2005 بمعدل 18 بالمائة، فأصبح كل 850 مولودا ذكرا يقابلهم 1000 فتاة. هذا التغيير حسب الدراسة البحثية، اعتبر مؤشرا على الضرر الوراثي الذي يؤثر على الذكور أكثر منه على الإناث، علما أن هذا التغيير في الجنس قد لوحظ في هيروشيما أيضا. محاولات إخفاء الجرائم الأمريكية لن نتحدث هنا عن الذين سقطوا بسبب الغزو الأمريكي للعراق، والذين يعدون بالملايين، إذ أن الإعلام الأمريكي، خاصة المدعوم من البنتاغون، كان يعزو سقوط القتلى إلى التفجيرات. وإذا كان الاحتلال الأمريكي يحاول تغطية أفعاله، فإنه كان يعمد إلى تصفية الصحفيين والإعلاميين، ناسبا ذلك لجهات أخرى، وقد شهد العراق منذ الغزو الأمريكي عام 2003 اعتداءات كبيرة على الصحفيين والإعلاميين العاملين فيه أدى إلى مقتل العشرات، وقد اتهمت جهات صحفية وحقوقية الجيش الأمريكي والقوات الحكومية العراقية بالمسؤولية عن عمليات أودت بحياة أولئك الصحفيين. في 5 أفريل 2010 بث موقع إلكتروني أمريكي شريطا مصورا يظهر مقتل 12 مدنيا عراقيا، بينهم صحفيان كانا يعملان لوكالة رويترز للأنباء، بنيران الجيش الأمريكي عام 2007. يظهر الشريط مقتل 12 شخصا، بينهم الصحفيان نمير نور الدين وسعيد شماغ، وإصابة طفلين بنيران مروحية أباتشي كانت توفر الدعم الجوي لقوات أمريكية أثناء قيامها بعملية عسكرية في حي بغداد الجديدة. ويقول موقع ويكيليكس الإلكتروني إن الشريط سرب إليه من قبل عدد من الجنود، وقد استهدفت المروحية عددا من الأشخاص هرعوا لإسعاف أحد الصحفيين المصابين. الشيء بالشيء يذكر هو القليل القليل الذي ذكرناه هنا، لكن ما سيكشف لاحقا سينبئ كم كانت الجرائم الأمريكية بشعة وفظيعة. وإذا كان الأمريكيون قد فعلوا كل ذلك في العراق، فإن الكيان الصهيوني لم يشذ عن هذه الأفعال أيضا، إذ هو الاحتلال في جنسيته مهما كانت.. فتجارب الإحتلال الفرنسي النووية في الجزائر، لازالت تفعل بآثارها الكثير، وأنه بالرغم من مرور نصف قرن على أول تجربة نووية فرنسية، إلا أن ملف تلك التجارب لا يزال مفتوحا. إذ تكشف دراسة حول هذا الموضوع، بأن التجارب النووية خلفت آثارا يصعب حصرها، فقد كشفت الدراسات أن الكثير من النساء الجزائريات أصبن بسرطان الثدي وهن في الثلاثينيات من العمر، في حين أن سرطان الثدي عادة يصيب المرأة بعد الخمسين من العمر، موضحة أن لذلك علاقة بالإشعاعات النووية التي خلفتها التجارب الفرنسية. إذن.. استخدم الكيان الصهيوني الأسلحة ذاتها في فلسطينالمحتلة التي استخدمها الأمريكيون في العراق، وقد أكدت أبحاث أجراها باحثون إيطاليون، وجود مواد سامة خطيرة بنسب عالية في أجساد سكان قطاع غزة جراء الإجرام الصهيوني الذي مورس على قطاع غزة بدءا من نهاية عام 2008، إذ بعد فحص أجساد عينات شملت 15 قتيلا وجريحًا من ضحايا الحرب، إضافة إلى عينة أخرى من 95 شخصا من سكان القطاع، أظهرت نتائج الفحص وجود 30 عنصرًا سامًّا ثقيلاً من أبرزها اليورانيوم بنسب أعلى بكثير من معدلاتها الطبيعية. وماذا في أفغانستان؟ في أفغانستان، يكشف تقرير صحفي حديث أن أفرادا في القوات الخاصة الأمريكية قاموا بقتل خمسة مدنيين، بينهم ثلاث نساء، في فيفري الماضي جنوب شرقي أفغانستان. وكان من بين الضحايا امرأتان حاملان وصبية، ثم قاموا بإخراج الرصاص من جثث ضحاياهم وغسلوا آثارها بمادة مطهرة ”الكحول”، ثم تم طلاء القاعة التي حدثت فيها عملية القتل، فيما تم إغلاق الثقوب التي أحدثها الرصاص في الجدار. وأيضا، وبعد أسابيع من قيام موقع ”ويكيليكس” الإلكتروني بالكشف عن 90 ألف وثيقة عسكرية سرية حول الحرب في أفغانستان، خرج خبير القانون الدولي الدكتور محمود المبارك ليعلن على الملأ أن جرائم الاحتلال الأمريكي في تلك الدولة فاق كل ما يتصوره العقل البشري، عارضا صورا لبعض تلك الجرائم والتي كان من أبشعها صورة لجنود أمريكيين يتلذذون بحرق جثث قتلى أفغان، وصورا لجنود أمريكيين يوفرون الحماية لزراعة المخدرات.. فهل تسقط هذه الجرائم أيضا بالتقادم؟!.