يشهد الشارع البرايجي، منذ الأيام القليلة الماضية، حالة استنفار قصوى على وقع حادثتي الإختطاف الأخيرتين اللتين عايشت مجرياتهما كل من عائلة بوڤرة، من قلب عاصمة الولاية، وعائلة العمراني، القاطنة ببلدية الياشير المجاورة.. فكانت النتيجة أن يخيم مثل هذا الجو من الخوف والتأهب لمجابهة أي طارئ، بل وأصبح حديث سكان الولاية يعج يوميا بقصص مماثلة أكثرها خرافية منذ عشية اليوم الأسود، الذي فقدت فيه عائلة العمراني طفلها البريء، عبد الرحيم، لم يمر يوم على ولاية برج بوعريريج دون أن يتناقل فيه سكانها أخبار الإختطافات ويتناقلوا فيه الإشاعات دون أن يميزوا الحقيقة من الأقاويل الفارغة.. هاجس بات يسيطر على كل الفئات بهذه الولاية، لأنها لم تقف وجها لوجه قبل اليوم أمام حوادث من هذا الصنف. وما يحدث اليوم في ولاية برج بوعريريج لم يعد مجرد أحاديث اعتادها الجميع عن ضياع طفل في الحي الفلاني أو آخر من إحدى القرى أو البلديات، إنما أصبح واقعا ملموسا ومعاشا. ضحيتا الإختطاف طفلان دون العاشرة عبد الرحيم العمراني، ابن الأربع سنوات والنصف، تفقدته والدته أمسية التاسع من سبتمبر بالقرب من المنزل أين كان يلهو فلم تجده، ومن ثم بدأت قصته الغامضة التي لا تزال لحد الساعة بين أمل يائس ويأس متفائل. أما يوسف فهو الآخر في سن البراءة، حيث لم يكمل بعد العاشرة من عمره، تعرض لعملية اختطاف فريدة من نوعها، إذ امتدت إليه أياد مجهولة وأخذته من وسط حيه، إلا أن مسعى هذه الجماعة كان غير واضح، فسرعان ما رمت به أمام مسلك السكة الحديدية، غير بعيد عن مقر سكنه سالما معافى. أردنا الإقتراب من الحادثتين أكثر، فقصدنا منزلي الضحيتين.. اتجهنا أولا إلى عائلة العمراني ببلدية الياشير، هذه المنطقة الفلاحية الهادئة الواقعة غرب مدينة برج بوعريريج على بعد 11 كلم من عاصمة الولاية، والتي تضم حوالي 24 ألف نسمة، يتوزعون على مساحة المائة كيلومتر مربع. وعند وصولنا إلى نهج الحرية، حيث يتواجد منزل عائلة عبد الرحيم، لاحظنا سكون الحركة وعزلة المكان باستثناء الجهة المحاذية للطريق الوطني رقم 5، وهو أمر من الأرجح أنه سهل من مهمة الخاطفين. والدا عبد الرحيم يعيشان ليالي بيضاء منذ الحادثة دخلنا مسكن عائلة الطفل عبد الرحيم، فلم نجد إلا وجوها يملأها الحزن وتعلوها الحيرة والتساؤل، إلا أن هذا لم يمنع هذه العائلة الفقيرة الكريمة أن تخصنا بحسن الإستقبال والضيافة. عند جلوسنا إلى والدي عبد الرحيم، لمسنا عمق الألم الذي يقاسيانه، فقد ذرفت والدته الكثير من الدموع قبل أن تبدأ حديثها عن تفاصيل ما وقع، روت أنها أمسية اليوم المشؤوم، وفي حدود الساعة الثالثة والنصف سمحت له باللعب بالقرب من المدخل العلوي للمنزل كعادته، ولم يمر إلا وقت قصير على ذلك حتى طلبته فلم تجده بالضواحي المجاورة، بعدها طلبت من شقيقه البحث وبعدها الأب ثم الجيران وبعض سكان المنطقة، إلا أنه للأسف لم يعثر على عبد الرحيم..! السيدة (ربيحة.ب) والدة عبد الرحيم، تعيش اليوم الحيرة والغموض، خاصة أنها لم تسمع أي صخب ولا حتى صوت غريب فترة وجود صغيرها أمام المنزل. أفراد العائلة لم يستطيعوا الخروج برأي واضح عن ما حدث، فتارة يقولون إن أحد المتسولات اقتادته لاستغلاله ثم يعقبون أن صغيرهم يتقن الكلام ولا يقبل الذهاب مع الغرباء، وأحيانا أخرى يرجحون أن الفاعل عصابة للمتاجرة بالأعضاء، ثم يعودون ليقولوا إن الأطباء أكدوا أن أعضاء الطفل الصغير لا يمكن استعمالها.. “عصابة تريد ضرب استقرار الولاية” عمي اعمر، والد عبد الرحيم، قاده تفكيره إلى أن ما حدث من فعل عصابة منظمة تسعى لضرب استقرار الولاية، وأنهم اتجهوا إليه بالخصوص لأنه فقير وبالتأكيد سيعرف تعاطف الكثير من المواطنين، وهو الشيء الذي حدث بالفعل، حيث أكد أفراد العائلة أن الكل ملتفون حولهم سواء من بعيد أو قريب، في حين سرد علينا كيف أن أحدهم من ولاية سطيف المجاورة وبالضبط من بلدية عين ولمان، خلال الأسبوع الأول من الإختطاف.. اتصل به ليؤكد له أنه رأى ابنه رفقة شخص يستغله في التسول أمام المسجد، حيث أخبر سلطات الأمن بما سمعه والتي بحثت من فورها على الشخص المعني، وبعد التحريات تمكنت مصالح الأمن من اقتياد صاحب الرقم الذي نفى الأمر وأكد أن هذه الشريحة ضاعت منه منذ مدة طويلة. ابن الجيران مشتبه به في الحادثة أضافت والدة عبد الرحيم أنها عندما سألت عنه سكان الحي أكدوا أنهم شاهدوه رفقة أحد الجيران، وهو فتى في ال 15 من العمر، معروف في المنطقة بسيرته المشبوهة كما أنه محل سوابق، حيث تم التبليغ عنه ثم اقتياده من طرف مصالح الأمن من أجل التحقيق معه ووضعه تحت أعين الرقابة، ولا زالت التحريات جارية حوله. وبالنسبة لقصة اختطاف يوسف وإعادته في ظرف قصير، طرح والد عبد الرحيم شكوكه بخصوص وجود علاقة وثيقة بين الواقعتين واتصال وطيد في استعمال يوسف في قضية ابنه حتى تثور الأجواء، وهو الأمر الذي دفع حقا سكان بلدية الياشير إلى قطع الطريق السيار شرق - غرب والطريق الوطني رقم 05 حتى تتم مطالبة السلطات بالتحرك للبحث عن عبد الرحيم، خاصة بعد إعادة يوسف.. إذ أكد لنا عمي اعمر أن الإحتجاج جاء بنتيجة فعالة، حيث زعزع مختلف الجهات الأمنية ودفعها إلى التحرك بقوة. اكتظاظ فناء مدرسة الحي بأولياء التلاميذ منذ الحادثة تشهد مدرسة الحي “دقدق محمد”، منذ حادثة اختطاف عبد الرحيم، اكتظاظا يتزامن وتوقيت دخول التلاميذ وكذلك خروجهم، حيث يتجمع أولياؤهم، خاصة الملتحقين بقسم التحضيري، أمام البوابة. وحتى الشيوخ لا يتذمرون من القبوع أمام المدرسة للإطمئنان على أحفادهم. وقد أكد لنا أحد الآباء أنه فور سماعه بالحادثة سيطر عليه الرعب، خصوصا أنه يعمل بولاية الجزائر العاصمة بعيدا عن عائلته، وهو الهاجس الذي دفعه إلى طلب إجازة لمدة شهر ليتمكن طيلتها من اصطحاب ابنه وابنته إلى المدرسة.. وهو التفكير الذي انتشر كذلك ليشمل معظم المدارس، حيث تشهد حركية سواء من الراجلين أو أصحاب السيارات الذين لا يملون من مرافقة أولادهم على مدار مواقيت الدراسة. معلم بالقسم التحضيري لمدرسة دقدق محمد، أكد لنا أنه يبذل جهده في سبيل توعية الأطفال وحتى الأولياء، كما أطلعنا على كثرة الغيابات التي يعرفها قسم التحضيري وكذا تأخر الكثير منهم في الإلتحاق بالصف نتيجة ما حدث. وقد طالب المعلمون، إلى جانب العائلات، في هذا الصدد، رئيس المجلس الشعبي ببلدية الياشير بتوفير أعوان الأمن بالقرب من المدرسة. عائلة عبد الرحيم تعطلت مصالحها منذ الحادثة المأساوية، الأب اعمر يرفض العمل إلي حين عودة ابنه المفقود وكذلك الأخت مريم، البالغة من العمر خمسة عشر سنة، والأخ عبد الرؤوف، 12 سنة، رفضا العودة إلى مقاعد الدراسة حتى يرجع أخوهم عبد الرحيم سالما، والأم لا تجد نفسها إلا وهي شاردة تعود بذكرياتها إلى الوراء وترفض تصديق ما حدث، حتى أن العائلة توجهت إلى السلطات البلدية وطلبت منها إطفاء إنارة الحي ليلا أملا في أنه إذا كانت الجهات المختطفة تحمل نية إعادة عبد الرحيم إلى الحي فلن تجد حرجا في ذلك في جنح الظلام. والدة يوسف لا تزال تحت تأثير الصدمة تعيش والدة يوسف، السيدة زهية.س، في منزل زوجها الثاني الكائن بالحي المعروف شعبيا بحي “الباطوار” رفقة ابنتها أسماء، في الحادية عشر من عمرها، وصغيرها يوسف الذي لم يتم بعد العشرة سنوات. وقد أكدت لنا أنها تعيش لهما ولا تستطيع الإستغناء عنهما حيث فقدت صوابها ظهيرة اختفاء يوسف. وحسب ما روته على مسامع “الفجر”، فإن يوسف خرج رفقة أخته لاقتناء بعض اللوازم المدرسية، وهذا في حدود منتصف يوم 16 سبتمبر الماضي إلا أن أسماء سرعان ما عادت بمفردها وأخبرتها أن بعض الأشخاص المجهولين قاموا برشه ببخاخة و حملوه معهم على متن سيارة فضية الطلاء، فخرجت مباشرة إلى الزقاق عساها تجد من تسأل إلا أنها تفاجأت بالمكان فارغا من حولها فعادت واتصلت بأخيها. وقبل وصوله تم تبليغ مصالح الأمن من طرف عائلة والد الطفل وتم البحث عنه في المنطقة فلم يعثر له على أي أثر. وحسبما أدلت به الوالدة فإنها استنفدت صبرها بالإنتظار فخرجت، فجر الجمعة، وهو اليوم التالي للحادثة، حتى تضع حدا لحياتها، لكنها فور وصولها إلى مسلك السكة الحديدية شاهدت يوسف منكمشا في حالة بالغة من الذعر، وهي اليوم تعيش حالة من الفوبيا من أن تتكرر معها نفس الحادثة.. وهي لا تسمح ليوسف أن يبرح عينيها! يوسف عاد بجسد سالم وعقل شارد يوسف عاد، لحسن الحظ، معافى الجسد لم يصبه أي سوء، وعندما اقتربنا منه وجدناه شارد العقل لا يجيب محدثه إلا بعبارات قصيرة. وحسبه فقد تم وضعه في غرفة رفقة أربعة من البنات وستة أطفال آخرين وصفهم بأنهم أصغر منه سنا، حيث تم استجوابه من طرف المختطفين عن حالته العائلية فأجابهم أنه يعيش رفقة والدته المطلقة وأخته بدون أب، ليعيدوه بعد ذلك إلى الحي فجر اليوم التالي في حالة من الإغماء بفعل المادة المسكرة. مصالح الأمن بالولاية تستبعد الإختطاف وترجح الإختفاء من جهتها، مصالح الأمن بالولاية ذهبت إلى أن قضية عبد الرحيم لا تعدو مجرد عملية اختفاء، واستبعدت أن يكون الأمر متعلقا بعصابة محترفة في اختطاف الأطفال. وحسبما أكده لنا المحافظ مهدي فإنه لا يوجد أي دليل يؤكد أن ما حدث لعبد الرحيم ويوسف عملية اختطاف منظمة، فأغلب الظن حسبه أن عبد الرحيم أضاع طريقه أو أن أحدهم صدمه بسيارته فأخفاه خوفا من العقوبة أو ما شابه ذلك. أما بالنسبة ليوسف، فإن الواقعة لا تخرج عن كونها خلافا عائليا بين الأم وعائلة الوالد، وهو الأمر الذي نفته والدة يوسف، حيث أوضحت لنا أن العلاقة سليمة بينهما. في حين تواصل مصالح الأمن عملية البحث والتحري عن الطفل عبد الرحيم، حيث أكد لنا المقدم العرابي، أنه ابتداء من يوم الإختفاء والتحريات متواصلة بالتنسيق بين مجهودات الدرك الوطني والشرطة، وحتى بعض المواطنين المحسنين، إذ تم تجنيد الفرقة الإقليمية بالبلدية إلى جانب فصيلة الأمن والتدخل وفصيلة الأبحاث مدعمة بالفرقة السينيوتقنية بالكلاب المختصة في تقفي الأثر. وقد تم الإنطلاق من المحيط القريب من دائرة الواقعة بداية من الحي والمنطقة ككل إلى الآبار والوديان والديار المنعزلة وبعض الأماكن المشكوك فيها. وحسب ذات المتحدث فإن الحادثة انفرادية وإن كل ما قيل من قبل مجرد إشاعات أو حالات ضياع فقط، لأن ولاية البرج لازالت تحتفظ بالطابع العائلي المتصل إلى جانب النسبة القليلة لحوادث الإجرام فيها..!