عكفت أمهاتنا على الإقتداء بالجدات في تحضير مختلف أنواع “التيزانة” لمجابهة أولى أعراض الإصابة بنزلات البرد التي يبدأ موسمها عادة مع خروج فصل و دخول آخر. ومازالت التيزانة حاضرة في ثقافة الجزائريين، بما فيها تلك الرياضية بعد أن رفع أنصار المنتخب الوطني شعارا جديدا لمرافقة أشبال سعدان في مغامرتهم الأخيرة في المونديال مفاده “شوية تيزانة شوية زعتر.. الجزائر خير من مانشستر”!. إلا أن عددا من الأمهات الجدد يُبدين تخوفا من حمل صغارهن على تناول منقوع كل تلك الحشائش، قبل أن يرضخن للأمر بنصيحة من الجدات اللواتي يُتقنّ مقدار الأعشاب التي يجب وضعها دون زيادة أو نقصان، وهذا بحكم التجربة. وما يُطمئن كل أم جديدة، في هذا الموضوع، هو نصح الأطباء لها بتقديم “تيزانة” للصغير كمشروب مهدئ له هذا منذ أولى أيامه، ناهيك عن اعتماد هذا المشروب السحري والمهدئ للأعصاب في مستشفياتنا، حيث يقدَم للأم بعد ساعات قلائل من الولادة. والمعروف أن الجزائريين ألفوا إطلاق تسمية “تيزانة” على كل منقوع أعشاب يشرب ساخنا، لمواجهة نزلات البرد والزكام مهما كانت حدته، وكما جاء على ذكره من تقديمه للنفساء وللرُضع، في حين أن حقيقة هذه الكلمة أنها اسم لعشبة تنمو على شكل شجيرة صغيرة لا يزيد علوها عن نصف متر و لها ميزة خاصة هي رائحتها الزكية و الفواحة عندما تكون أوراقها خضراء، كما أنها تحتفظ بتلك الرائحة حتى عندما تجف أوراقها، وهو ما يعني أن قيمتها تزيد، لذا تعكف العائلات على تجفيفها والإحتفاظ بها لموسم البرد، ولمن ليس له إمكانية ذلك فهي متوفرة في السوق على شكل أكياس. ولعل هوس الجزائريين بهذا المشروب، يفسر إقبال الكثيرين على هذه العشبة ونظيراتها من الإكليل والشيح والزعتر، الموسم الفارط، حين انطوت على العديد منهم الحيلة الترويجية لباعة الأعشاب الطبية، والتي كان مفادها أن تشكيلة من هذه الأخيرة مع إضافة حبة حلاوة أو حبات الحلبة ستمنح متناولها مناعة من الإصابة بفيروس أنفلونزا الخنازير، الذي ظهر واختفى بقدرة قادر..! والملاحظ هو تمسك الجزائريين وثقتهم العمياء في الوصفات التقليدية التي لطالما أثبتت نجاعتها في مجابهة نزلات البرد الشديدة مع شيء من الراحة، ما يجنب البعض زيارة الطبيب، لتجده بعدها معتمدا على كؤوس من”التيزانة” التي تزرع الدفء في الجسم وتهدئ الأعصاب بطريقة عجيبة، وهو ما جعل أيضا أصحاب المقاهي يخصصون لها زاوية لا تقل أهمية عن زاوية القهوة والشاي.. حتى أن هناك من الأطباء أنفسهم من ينصح مرضاه بالإلتزام بنصيب منها التي تعتبر دواء جميع الجزائريين ضد الزكام.. منذ نعومة الأظفار إلى غاية أرذل العمر. إلا أن الحذر يبقى واجبا بالنسبة لأنواع أخرى من الأمراض، إذ لا يجب التساهل مع بعض الأعشاب التي يُجهل مفعولها الحقيقي، والذي يمكن أن يُعقد من حالة المريض بدل مساعدته.