أشارت آخر أرقام سرية أمن الطرقات، التابعة للمجموعة الولائية للدرك الوطني بالبليدة، إلى تراجع محسوس في عدد حوادث المرور المسجلة في الأشهر القليلة الماضية، نتيجة لما جاء به التعديل في قانون المرور الجديد مع عدة إجراءات ردعية أخرى و حملات تحسيسية غير أن واقع الحال بات يعكس صورة جديدة من صور المخالفات التي لم يأت عليها ذكر في قانون المرور الجزائري، ولا يعاقب عليها، كاستعمال الغمازات بين السائقين للتنبيه بوجود رادار. ورغم أن هاذه المخالفات تجسد في حقيقة الأمر ذهنية التحايل للبعض، تتمثل بكل بساطة في مظاهر التكافل بين سائقي المركبات مع بعضهم البعض لتجنب الوقوع في ما بات يُتعارف عليه بينهم ب”فخ الرادار”، الذي لم تعد تخلو منه طرقاتنا، لاسيما في النقاط السوداء. أما شكل هذا التضامن، الذي يكون بين سائقين لا يعرف أحدهم الآخر، فيتمثل بكل بساطة بتشغيل الغمازات كإشارة إلى أن الرادار غير بعيد، وهذا لمن لمحه أولا قبل أن يصل إليه غيره، و هي الإشارة التي يفهمها الجميع دون استثناء، ما يجعلهم يخففون من سرعتهم لبرهة تعادل تجاوز “منطقة الخطر” قبل أن يعاودوا رحلة السياقة الجنونية في سباق مع الزمن.. لا يتعدى في الحقيقة سوى كونه سباقا نحو الموت! رصدنا هذه الظاهرة بشكل ملفت في الطريق السريع الرابط بين الجزائر العاصمة والبليدة. ذات الطريق الذي يحصد عشرات الأرواح سنويا جعل قيادة الدرك الوطني بالبليدة تعكف على تعزيز دورياتها به، من أجل رصد كل المخالفين عن طريق نصب الرادار في مواقع مختلفة، أبرزها بالقرب من المحول المحاذي لمدخل مدينة بوفاريك، ليأتي العمل النهائي بعدها بإيقاف أصحاب السيارات ذات الأجنحة الطائرة في نقاط تفتيش أبرزها ببني مراد باتجاه العاصمة والبليدة، أو في منتصف الجهة الفاصلة بين بوفاريك إلى غاية بني مراد في الإتجاه المعاكس. والمثير في الأمر، أن هؤلاء السائقين هم أنفسهم من يدخلون مع بعضهم في سباقات جنونية في الطريق السريع بعصبية لا معنى لها لمن يريد تجاوز الآخر، لكنهم يتحولون بقدرة قادر إلى إخوة أحباب في مواجهة الرادار، ليتحول الطريق السريع بعدها إلى مهرجان من الأضواء التي لا تتوقف على مسافة معتبرة لا يمكن لأحد تجاهلها. وإذا كان الأمر مجرد غش و تحايل على القانون، فإن غشا آخر يقابله في وسط المدينة، تراه في نوع آخر من التكافل بين السائقين، ولكن هذه المرة من أصحاب حافلات النقل، والذين ينظمون شبكة اتصالات خفية في حال وجود نقطة تفتيش لم تكن في الحسبان، ليتحول كل واحد منهم إلى حمل وديع يكتفي بركاب بعدد مقاعد حافلته، ويقوم القابض بوضع بطاقته المهنية حول عنقه مع تجهيز سريع لعلبة الإسعافات الأولية، و توزيع تذاكر المسافرين في وقت قياسي، فلا يجد الشرطي أي مخالفة يسجلها، بالنظر إلى العمل الموازي الذي يتم بين السائقين الذين يتناوبون طيلة مسارهم على تبادل إشارات الأمان والضوء الأخضر الذي لا يفقهه غيرهم، وهم أنفسهم من يدخلون في شجارات لا حد لها حول المواقف والإستيلاء على أكبر عدد ممكن من المسافرين..!