شكّل موضوع التحرش الجنسي من الوسط العائلي إلى المحيط العملي، محور الملتقى الدولي الذي انتظم ب"الكراسك" بوهران، حضره العديد من الباحثين من دول عديدة منها فرنسا وسوريا وتونس إلى جانب الجزائر، حيث سلطوا الأضواء على الظاهرة التي أصبحت تنخر في السنوات الأخيرة المجتمع بعد تفشيها في الوسط العائلي وكذا المحيط المهني خاصة بعد تقرب الكثير من النساء العاملات من الجهات الأمنية لطرح شكاوى وإيداعها لدى المصالح القضائية. تعتبر ظاهرة التحرش الجنسي من بين طابوهات المجتمع، لذلك تجد الكثيرات ممن يتعرضن إلى مثل هذه المواقف يرفضن التصريح بذلك تفاديا للفضيحة ونظرة المجتمع. وفي هذا الإطار أوضحت الدكتورة كريستين من جامعة باريس في مداخلتها بعد وضع مقارنة بين الظاهرة في الجزائروفرنسا على ضوء الدراسة التي أعدتها وشملت 100 امرأة جمعت بين البلدين، أن الجزائريات مازلن يعتبرن أن التحرش الجنسي عليها من الفضائح الكبرى التي تحدث نتيجة عدم احترام الطرف الآخر وأن ذلك مظهر من مظاهر العنف، أما بفرنسا فإن الوضع مغاير تماما لأن هناك حرية كبيرة للمرأة التي تبقى غير مقيدة بالتقاليد والأعراف وتتقرب كثيرا من القضاء لطرح مثل هذه المشكلات. وتضيف قائلة “ؤإن القانون الفرنسي يقف بجانبها لأننا ننبذ كل مظاهر العنف، والتحرش الجنسي نوع من العنف”، حيث تم تسجيل النساء الأكثر عرضة للظاهرة أعمارهن تتراوح ما بين 16 إلى 40 سنة. وأشارت إلى أن في الجزائر وخلال 5 سنوات الماضية تم إحصاء 19 حالة عالجتها المحاكم خاصة بالتحرش الجنسي، لكن ذلك لا يعكس حقيقة الواقع، لتضيف أن النساء أكثر عرضة في الجزائر للظاهرة اللواتي يشتغلن كمنظفات. أما الباحثة الجزائرية السيدة ميموني، فقد طالبت بتقوية الجانب القانوني حتى تكون هناك فرصة كبيرة وحافزا يساعد المرأة في التقرب إلى السلطات الأمنية وبالتالي دخول ساحة القضاء لأن الأمور اليوم - كما قالت -قانونيا تبقى غير واضحة ما بات يتطلب تربية بناتنا تربية صحيحة حتى لا يقعن فريسة سهلة للطرف الآخر لمساومتها والتحرش بها، وبالتالي الوصول إلى وضعية لا تحسد عليها. وقالت الدكتورة شهد من جامعة سوريا خلال تطرقها لموضوع الوجهة العيادية من المنظور النفسي التحليلي، إن هناك الكثير من حالات التلذذ تجمع بين الرجل والمرأة وبالتالي يحدث الانحراف نتيجة وقوع علاقة بينهما، إلا أن تلك اللذة يتولد عنها اضطهاد آخر في صورة تحرش جنسي يستدعي الخروج والابتعاد عنه، لكن يبقى الأمر بعدها ليس سهلا لأن هناك مجتمع وتقاليد وأعراف متعارف عليها في المحيط العائلي ما بات يتطلب تفعيل مهمة الوسيط العائلي لتفادي الوقوع في الظاهرة التي تبقى مرهونة بمدى فعالية المواد والنصوص القانونية، خاصة وأننا نسجل العشرات من الحالات في كل المواقع العملية، بعد الانحلال الذي أصبح متفشيا في المجتمع بشكل رهيب يدعو إلى تجنيد كل الشرائح والمفاهيم للتصدي للظاهرة، التي أصبحت تحدث كثيرا تحت طائلة الضغوطات والمساومات.