تعرف العديد من مناطق الوطن تنظيم دورات للمصارعة بين الكباش على مدار السنة، غير أنها تزداد انتشارا خاصة في الأيام القليلة التي تسبق عيد الأضحى، حيث يلفت انتباه المشتري في معظم الأسواق المخصصة لبيع أضاحي العيد كباش ذات أحجام كبيرة وقرون بارزة تعرض بأسعار تفوق ال 30 مليون سنتيم، ويقول أصحابها إنها “كباش المصارعة”، وهناك من يشتريها بهدف المشاركة في دورات المصارعة وليس بهدف ذبحها تطبيقا للسنة النبوية.. فمع قرب حلول عيد الأضحى المبارك من كل عام تتحول ميادين الجزائر العاصمة إلى ساحات لمصارعة الكباش يتبارى فيها المواطنون والباعة، إذ تجرى منافسات قوية بين “الكباش” ذات القرون الصلبة لاستعراض قدرتها وقوتها ومدى ما تتمتع به من إمكانيات. وقد تفاقمت هذه العادة السنوية لدرجة أصبحت تخرج بها عن سنة الأضحية والغاية الدينية من ورائها. وأمام هذا كله تشهد المساجد وصفحات الصحف يومياً فتاوى ومقالات تندد بها وتصفها بالمحرّمة، وتناشد المواطنين الإقلاع عنها والتفكر في الحكمة من الأضحية والغاية الدينية منها. لقد خصص العديد من خطباء المساجد في صلاة الجمعة، قبيل عيد الأضحى، جزءاً كبيراً من الخطب للحديث عن هذه الظاهرة باعتبارها دخيلة على الدين وسلوكاًً سيئاً قد يغرس في أذهان الأجيال الناشئة فهماً سيئاً وخاطئاً بعيداً عن المعنى الحقيقي لعيد الأضحى. كما حذروا من أن هذا الفعل يفقد الأضحية قيمتها الشرعية، خاصة إذا أصابها عيب ككسر القرن أو ثقب العين فتصبح غير جائزة للتضحية، وحذروا أن تفشي هذه الظاهرة فيه تشويه لصورة الأعياد الدينية وتقديم وجه قبيح للمجتمع الإسلامي في نظر المجتمعات الأخرى. الشيخ محمد شريف قاهر، عضو المجلس الإسلامي الأعلى، أكد أن الإسلام هو من عرّف الدنيا الرفق بالحيوان، وهو أقدم الديانات والحضارات التي اهتمت بالحيوان ونظمت لها حقوقاً قبل أن تقرها أو تعرفها الشعوب الأخرى، وقبل أن تتبجح الممثلة الفرنسية برجيت باردو فتتهم المسلمين بالوحشية لأنهم يضحون بالخراف في عيد الأضحى! فقبل أربعة عشر قرناً أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي دخل الجنة لعطفه على كلب؛ فقال عليه السلام: “بينما رجل يمشي بطريق إذ اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها، فشرب، ثم خرج، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني، فنزل البئر فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب، فشكر الله تعالى له فغفر له، قالوا يا رسول الله: وإن لنا في البهائم لأجرا؟ فقال: “ في كل ذات كبد رطبة أجر “. وبمناسبة أخرى قال عليه السلام: “دخلت امرأة النار في هرة، ربطتها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض”. لقد فهم المسلمون من هذه الأحاديث الشريفة وأمثالها أحكاماً شرعية ومفاهيم حضارية ترجمت على أرض الواقع فكانت الإساءة للحيوان إثماً شرعياً يُحاسَب عليه الإنسان في الدنيا والآخرة، والإحسانُ للحيوان مصدرُ خير يُكسب صاحبه الحسنات عند الله. يقول عليه السلام: “من قتل عصفوراً عبثاً، عج إلى الله يوم القيامة يقول: يا رب إن فلاناً قتلني عبثاً ولم يقتلني منفعة”. ومن هنا كان حراماً على المسلم أن يتلهى بقتل الحيوانات والطيور، ويحرم اتخاذهما هدفاً لتعليم الإصابة فقد “لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضاً/ هدفاً”. كما نهى الإسلام عن التحريش بين الحيوانات على نحو ما نرى من مصارعة الكباش عندنا نحن الجزائريين، بينما نرى الإسبان يتفننون بغرز الرمح في ظهر الثور لمزيدٍ من الإثارة لذلك الذين قرروا تحويل أضحية العيد إلى وسيلة ربح.. يعتبر ذلك قمارا فهو حرام، كما أنه سلوك يغرس في أذهان الأجيال الناشئة فهما سيئا عن ديننا الحنيف. وأمام هذا السلوك، فالمصارعة بين الكباش التي تنتشر في بعض مناطق البلاد سلوك دخيل على عادات وتقاليد المجتمع الجزائري قد يغرس في أذهان الأجيال الناشئة فهما خاطئا بعيدا عن المعنى الحقيقي لعيد الأضحى. من جهة أخرى، أوضح الشيخ محمد شارف، رئيس لجنة الفتوى سابقا، أن ظاهرة المصارعة بين الكباش هي من التقاليد السيئة التي أصبحت تظهر في مجتمعنا خاصة قبيل عيد الأضحى، مؤكدا أن هذا السلوك غير جائز من الناحية الشرعية، وأن أضحية العيد هي وسيلة للتقرب من الله وشعيرة من شعائر الدين يجب أن تحترم عوض أن تحول إلى لعبة للتسلية والتباهي بين الناس، مشيرا إلى أن تحويل أضحية العيد إلى وسيلة من القمار، مضيفا أن هذا الشيء حرام وسحت، وأنه “لا يجوز الإنتفاع بالأموال التي يتحصل عليها بمثل هذه الوسائل والطرق، مشيرا إلى أن هذا الفعل يفقد الأضحية قيمتها الشرعية خاصة إذا أصابها عيب ككسر بالقرن أو ثقب بالعين..الخ، فلا تصبح للتضحية. وأكد الشيخ أن السنة ليست في خطر لأن الدين محفوظ وأغلب الناس على دراية بآداب وشروط الأضحية، لكن سلوك هؤلاء الناس يجعلهم يضيعون الأجر العظيم الذي جعله الله للمضحي ويبدلونه بالوزر والإثم. كما حذر في حالة تواصل هذه الأعمال من احتمال توريث ظاهرة سيئة للأجيال القادمة، لاسيما الأطفال، فيحملون فهما سيئا وخاطئا عن عيد الأضحى والأضحية، وتقديم وجه قبيح للمجتمع الإسلامي في نظر المجتمعات الأخرى غير الإسلامية.. مختتما أن الكباش من بهيمة الأنعام التي خلقها الله تعالى مذلَّلة للإنسان لينتفع بها في الوجوه المختلفة لإعمار الأرض، إذ يقول الحق سبحانه في شأنها: “والأنعامَ خلَقَها لكم فيها دِفْءٌ ومنافعُ ومنها تأكلون. ولكم فيها جَمَالٌ حين تُرِيحون وحين تَسرَحون. وتَحمل أثقالَكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالِغِيهِ إلا بشقِّ الأنفسِ إن ربَّكم لرءوفٌ رحيم”. فامتَنَّ الله تعالى على عباده أن سخَّر هذه الأنعام لهم لنفعهم في هذه الوجوه، فالثور وسائر الأنعام لها وظائفُ في الحياة خُلقَت لأجلها، ليس منها أن يصارعها الإنسان أو يَعبث بها أو يُهلكها حيثما اتفَقَ له. وأي متعة تلك التي يَستشعرها من يرى كبشا يقطُر دمًا؟؟ إنه مشهد يدعو إلى الإشفاق والرثاء، ولا يثير في النفس بهجة، ولا يُشيع فيه راحة!