صدر مؤخراً، عن دار الحكمة للنشر والترجمة، كتاب ”الإعلام الديني في الجزائر، الخطاب والهوية”، للكاتب والإعلامي محمد بغداد، تناول فيه إشكالية الإعلام الديني في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية، وتأثيرات هذا النوع من الإعلام على السلوكيات والمنتجات الثقافية للتيارات الجزائرية الكتاب تناول في فصوله الأولى، مفهوم الإعلام الديني الذي أصبح حسب الكاتب نوعا متميزا وطاغيا في السنوات الأخيرة، بما تجلى من خلال تعدد وسائل الإعلام الدينية التي وصلت إلى مستوى القنوات الفضائية الطاغية على الساحة العالمية. وقد تتبع الكاتب مختلف المفاهيم التي يمنحها المفكرون والمنظرون الإسلاميون لهذا المفهوم، إضافة إلى الصيغ التي يضعون فيها تلك المفاهيم، متوقفا عند الرهانات التي يراهن عليه هؤلاء المنظرون. كتاب الإعلام الديني في الجزائر الخطاب والهوية، عاد إلى تاريخ الظاهرة الإعلامية الدينية من خلال استعراض المراحل التي مره بها، والإنجازات التي حققتها هذه التجربة، معتبرا أن المرحل الأولى لبناء هذه التجربة كانت أكثر عقلانية من حيث المضمون وأكثر جدية من جهة الاشتغال، مستنتجا بأن هذه التجربة رغم غناها وتنوعها تجاهلتها الجامعة الجزائرية والتيارات الإسلامية وحتى المؤسسات الإعلامية الجزائرية الحديثة. وخصص الكاتب حيزا كبيرا من الكتاب إلى تحليل علمي لخطاب الإعلام الديني في الجزائر، من خلال التوقف عند الرهانات الاستراتيجية التي يتبناها في مختلف وسائل الإعلام المكتوبة والسمعية والبصرية والإلكترونية، مقدما الكثير من النماذج التي تدعم توجهه في تحليل هذا الخطاب. وتحتل المؤسسة الدينية في الجزائر، جزءا مهما في الكتاب من خلال التوقف عند اشتغالها، وكذا تعاطيها مع الظاهرة الإعلامية، سواء أكان ذلك من جهة الإنتاج أو الاستهلاك، مرورا بنقد مهم لعمل المؤسسة الدينية من الناحية الإعلامية. ومن أهم محاور الكتاب، استعراض التيارات المنتجة لخطاب الإعلام الديني في الجزائر، متوقفا عندما ما سماها بالفوضى التي تسيطر على الساحة الإعلامية في القضايا الدينية، معتبرا ذلك راجعا إلى الخلل في الرؤية والسعي إلى مجارات ما هو سائد في الساحة الإعلامية العالمية، وهو الخلل الذي يشمل المؤسسات الإعلامية الخاصة وتلك التابعة للدولة. وبعد التفصيل في ملامح ومسلكية هذه التيارات، قدم الكاتب نقدا معمقا لإنتاج هذه التيارات من حيث المرجعيات والتجليات، متوقفا عند الصراعات القوية التي تطبع الساحة الإعلامية الجزائرية، فيما يخص هذا الموضع بين التيارات الإسلامية والسلطة من جهة، وبين أصحاب المؤسسات الإعلامية الخاصة حول كيفية السيطرة على المستهلكين، وهو الصراع الذي يصفه الكاتب بالمحموم والخطير. ومن القضايا التي تناولها الكتاب المرجعيات الفكرية والثقافية التي تقوم عليها الظاهرة الإعلامية الرسمية، وهي الظاهرة التي يقول عنها المؤلف إنها تتصادم مع المرجعيات الإيديولوجية للسلطة القائمة وتتورط في تهديم الكثير من الأهداف التي تعمل السلطة على تحقيقها، ويرجع ذلك حسب الكتاب إلى غياب استراتيجية واضحة للسلطة حول هذا الملف المهم. وعرّج الكاتب على الظاهرة الإعلامية الدينية إلكترونيا، والتي يتفوق فيها التيار الوهابي في الجزائر، والذي تمكن من السيطرة على الخطاب الإعلامي للمؤسسة الرسمية الجزائرية. وقد توقّع الكاتب أن المستقبل سيشهد الكثير من التطور والسيطرة لهذا الخطاب محذرا من النتائج الخطيرة التي ستنتج عن ذلك.