لأول مرة تصدر الولاياتالمتحدةالأمريكية تقريرا إيجابيا عن ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين في الجزائر، ولأول مرة يعترف التقرير الأمريكي بأن حرية التدين مكفولة بالجزائر، وتقول عنها إنها تحسنت بالجزائر. التقرير الجديد يبرز أمريكا وكأنها اكتشفت شيئا خارقا للعادة، مع أن الوضع لم يتغير منذ أن استرجعت الجزائر استقلالها، بل بالعكس، تدهور الوضع الديني لغير المسلمين أثناء سنوات الجحيم التي لم يسلم منها لا المسلمون ولا المسيحيون. كانت أمريكا ولسنوات متتالية تضع الجزائر في خانة البلدان التي تضيّق على الحريات الدينية، خاصة بعد الحادثة التي وقعت منذ قرابة ثلاث سنوات، والتي سجنت فيها “حبيبة”، الفتاة التي كانت اعتنقت من فترة المسيحية وألقي القبض عليها وهي تروج للمسيحية وبحوزتها مجموعة من نسخ الإنجيل كانت بصدد توزيعها. صحيح أن قانون ممارسة الشعائر الدينية لغير المسلمين في الجزائر هو تنظيمي بالدرجة الأولى وليس ردعيا، ويكفل حرية اختيار المذاهب الدينية واعتناق الدين غير الدين الإسلامي، لكنه في آن واحد يحول دون القيام بحركات تبشيرية سرية أو علنية، مثلما تحاول الكنيسة الإنجيلية والكنيسة البروتستانتية القيام به بطرق ملتوية. لكن ليس المسيحيين هم من يتعرضون للاضطهاد الديني في الجزائر، بل المسلمين الذين اختاروا إسلاما معتدلا متفتحا على العصر وعلى الثقافات الأخرى، والاضطهاد ليس هو اضطهاد الدولة أو القوانين، وإنما اضطهاد ممارسات الإسلام الراديكالي الذي كان ولسنوات يقترف المجازر باسم الدين. صحيح أن المجازر توقفت، لكن العنف المعنوي مازال موجودا، ومازال تياره السلفي يتوسع كل يوم في المجتمع، وهو ما يعني أننا لم ننته بعد مع الأزمة الدينية والأمنية، ومازلنا لم نتخلص بعد من الإرهاب الأصولي لسنوات أخرى، إن لم أقل لعقود أخرى. ومع ذلك لم يهتم التقرير الأمريكي لممارسة الشعائر الدينية في الجزائر بهذا الجانب، لا هذه السنة ولا السنوات السابقة عندما كان الجزائريون يواجهون وحدهم وحشية عنف الإسلام الراديكالي، وما كانت لتهتم لو لم تدفع أمريكا وأوربا ضريبة دعمها للتيارات الإسلامية المتطرفة قبل الأزمة وأثناءها. وأمريكا لن تهتم لأمرنا نحن المسلمون الذين اخترنا أن نكون على مذهب إسلام المحبة وفعل الخير، إسلام الترغيب وليس إسلام الترهيب، لأن الذي يهم أمريكا الآن هو كيف تحمي الأقلية الإنجيلية التي تحاول زرعها في المجتمع الجزائري، وستقول لاحقا إن الإنجيليين مضطهدون في الجزائر ولابد من التدخل لحمايتهم، ولم لا فرضهم كقوة سياسية في البلاد مستقبلا...