عندما كانت الجزائر تواجه استعراض عضلات المتشددين الإسلاميين في مطلع التسعينيات من القرن الماضي, هذه الجماعات التي كانت تستولي على شوارع العاصمة كل جمعة وتحولها إلى أماكن للصلاة, وتمنع المارة من عبور الأزقة المحاذية للمساجد, بل تجبرهم على الانضمام للمصلين, خاصة إذا كان خطيب الجمعة اسمه علي بلحاج, في مسجد باب الوادي أو مسجد القبة, وأذكر هنا حادثة طريفة حصلت وقتها لزميل صحفي من جريدة المساء, حيث استقل حافلة باتجاه حي عين النعجة, إلا أنه عندما وصلت الحافلة إلى حي القبة, وكان يومها علي بلحاج منتظرا لأداء خطبة الجمعة بمسجدها, طلبت عناصر الأمن التابعة للفيس المحل من ركاب الحافلة النزول والانضمام إلى المصلين, ولم يكن زميلنا متوضئا ولا حتى مداوما على الصلاة, بل أكثر من ذلك كان بحوزته حقيبة بها قنينات جعة, تصوروا الرعب الذي عاشه في تلك اللحظات وهو راكع في الصلاة خوفا من أن يكتشف أمره وأمر ما في الحقيبة, وخوفه الأكبر كان بسبب قيامه للصلاة من غير وضوء, وقتها كانت فرنسا الديمقراطية, ترسل فرقها الصحفية المدججة بالكاميرات وبخريطة طريق, تبارك هذه الصحوة الدينية, واختصرت نشراتها الإخبارية عن الجزائر في حزب واحد, هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي كانت وسائل الإعلام الغربية لا تترك شاردة أو واردة عنه إلا وضخمتها وأعطتها مساحة أكبر في نشراتها الإخبارية, وقتها كانت التيارات الديمقراطية في الجزائر تعاني الأمرّين أمام ظاهرة التدين ومظاهر السلفية التي بدأت تستحوذ على المجتمع الإسلامي وتعده بالعودة قرونا إلى الوراء, وأمام التهديدات التي كان المجتمع الجزائري على موعد معها في حال انتصر هذا التيار الذي كانت تشجعه فرنسا ووسائل إعلامها. ها هي فرنسا التي باركت ما كانت تعيشه الجزائر من اهتزازات سياسية واجتماعية, تواجه نفس الأعراض, انتشار الظاهرة الدينية, وظاهرة أداء صلاة الجمعة في الشوارع, الأمر الذي لم يزعزع مارين لوبان وحدها, فهذه خطابها واضح من غير نفاق ولا غبار عليه, وإنما يزعج فرنسا كلها, وها هي وسائل إعلامها التي كانت تبارك ما يحدث في الجزائر, تنبري للتنديد بهذه الظاهرة, مع أن الوضع يختلف بالنسبة لمسلمي فرنسا وأوروبا كلها, وهو قلة المساجد التي يعارض اليمين المتطرف انتشارها عبر أوروبا بذريعة الخوف من الإرهاب.