يتساءل الجزائريون عن السبب الذي من أجله لا تنتهي قضايا الفساد التي تثار إلى نهايتها المطلوبة وهي القصاص من المفسدين. والسبب لا يعود إلى أن المفسدين هم الذين يحاسبون المفسدين فقط! لأن الزمالة في الفساد هي التي تلعب دورها في تعطيل الأمور، بل الأمر يعود أيضا إلى النظام القانوني الجزائري الذي يعطي حصانة قانونية للمفسدين.. ويطبق ذلك بقوة القانون. النظام القضائي الجزائري يمنح حصانة للوالي والوزير وأي مسؤول كبير في الدولة بأن لا يتابع قضائيا إلا إذا رخصت بذلك المحكمة الإدارية العليا.. وهذا معناه أن المسؤولين في الدولة لهم نظام قانوني وقضائي يختلف عن النظام القانوني والقضائي العادي الذي يطبق على باقي المواطنين! وبعبارة أخرى أكثر وضوحا فإن النظام القضائي القانوني الجزائري الحالي يقيم التمييز الطبقي الواضح حتى بين السراق.. فالسارق الذي يحمل التعيين بمرسوم رئاسي يخضع لنظام قضائي يختلف عن النظام الذي يخضع له السارق الذي يحمل التعيين بقرار وزاري.. وهذا في حد ذاته مضحكة قضائية وقانونية لا توجد حتى في الدول التوتمية.. ودول الموز! القانون والنظام القضائي الجزائري يجعل من الولاة والوزراء والمسؤولين الكبار ذوات مهمة لا تخضع للقضاء العادي بل يخضعون للقضاء الخاص.. الذي يتم على مستويات عليا.. وبترخيص من مستويات عليا أيضا! عندما تحرك دعوى قضائية ضد والي أو وزير يتطلب الأمر أن يتم قرار المتابعة من المحكمة الإدارية العليا.. محكمة الدولة.. وهذه لا تحرك الدعوى إلا إذا حصلت على الضوء الأخضر من قمة الجهاز التنفيذي الذي هو الذي عين المتابع بمرسوم.. وعين القاضي أيضا بمرسوم. لهذا، فإن عملية المحاكمة إن تمت فهي قرار تنفيذي وليست قرارا قضائيا.. والقرار القضائي يأتي بعد القرار التنفيذي وغالبا ما يكون تطبيق له. ولهذا السبب رأينا كيف تعرف الجهاز التنفيذي قضائيا وفق هذا القانون الغريب مع قضايا الفساد التي أثارها أويحيى في عهد زروال.. وكيف انتهت الأمور إلى تحريم من جزم الاطارات.. ودفعت الدولة الشيء العلاني تعويضا للاطارات التي سجنت بقرار تنفيذي وأطلق سراحها بقرار تنفيذي أيضا وليس بقرار قضائي.. لأن القضاء الذي يسجن الناس لا يمكن أن يبرئهم دون أن يسأل عن الخطأ المهني الجسيم في هذه الحالة! ولهذا السبب أيضا انتهت قضايا البليدة إلى لقات فيشنك فسادي! حيث أقصى عقوبة تعرض لها المعينون بمرسوم المورطين في القضية هي إبعادهم من وظائفهم! ونفس القضية جرت في موضوع الخليفة بحيث لم يتعرض المعينون بمرسوم لأي متابعة جدية.. وجرت المحاكمة فقط للذين لا يخضعون للنظام القضائي الخاص بالاطارات العليا! هذه المضحكة القضائية والقانونية هي التي تعطل كل العمليات الخاصة لمحاربة الفساد من قبيل قضية (BCR) وقضية سوناطراك التي تترنح التحقيقات بشأنها.. لأن الأساسيين فيها يتمتعون بالحصانة القضائية ويحتاجون إلى رفعها عنهم.. ولا ترفع هذه الحصانة إلا بإرادة عليا! وكذلك النظام القضائي القانوني الخاص هذا هو الذي عطل مسألة ملف الفساد الذي عرفته وزارة الأشغال العمومية. المشكلة أن ملفات الفساد الكبرى التي هزت وتهز البلد تسبب فيها المحميون بهذا النظام القضائي القانوني الخاص وفي هذه الحالة لا يسأل المفسد المعين بمرسوم عما فعل لوحده.. بل يسأل أيضا الذين عينوه.. خاصة وأن عمليات التعيين في المناصب الحساسة في الدولة الجزائرية لا تخضع لنظام تعيين يعتمد ما كان يسمى بالكفاءة والنزاعة.. بل أصبح يعتمد هذا التعيين في الكثير من الحالات على مبدأ الرجل المناسب في مكان المكاسب! وكثيرا ما يعتمد في التعيين على عوامل غير موضوعية أهمها الثقة والولاء والجهوية وحتى الصحية! ومن هنا فإن حكاية تكوين لجنة لمكافحة الفساد لا يمكن أن تحقق المأمول منها.. حتى ولو أدت اليمين غير الغموس التي قد تغمسها هي أيضا في عسل الفساد، بل المأمول هو أن تقوم الدولة بإصلاح حقيقي في النظام القضائي القانوني القائم الآن والذي يحكم الحماية الكاملة للمفسدين من المتابعة.. ويعلق أمر المتابعة للفساد بإرادة الذين عينوا المفسدين! فقضية محاربة الفساد في الجزائر ما تزال بعيدة عن المحاربة الجدية.. لأن البلاد لا تنقصها المؤسسات الكاشفة للفساد مثل.. مجلس المحاسبة.. والمفتشية العامة للمالية.. وأجهزة الرقابة الداخلية بالمؤسسات والوزارات والصحافة والنقابة والأمن بمختلف مصالحه.. بل القضية هي في تحويل ملفات السراق إلى العدالة.. المشكلة هنا ولا يمكن أن تحل إلا بإصلاح حقيقي للنظام القانوني القضائي الحالي القائم على حماية السراق من المتابعة القضائية الجدية!