الحزب كما يعرّفه الكثير من السياسيين وفقهاء القانون هو مجموعة من المواطنين يؤمنون بأهداف سياسية وفكرية وإيديولوجية مشتركة، ينظمون أنفسهم تحت أهداف محددة وواضحة، للوصول إلى السلطة وتحقيق برامجهم وأهدافهم. وقد أصبح الحزب شيئا أساسيا في الحياة السياسية للمواطنين وعاملا طبيعيا ملازما لكل نظام سياسي. وتنقسم الأحزاب من حيث طريقة الانتساب إليها، فهناك من ينتسب للحزب ويدفع اشتراكا شهريا أو سنويا. وهنا يكون الانتساب فرديا، وفي أحزاب أخرى يكون الانتساب إليها عن طريق التنظيمات والنقابات، وهنا يكون الانتساب حكما إلى الحزب، وهناك من ينتسب للحزب انتسابا مرحليا وصلحيا، وقد ينتهي انتسابه للحزب بعد إعداد قائمة الترشيحات للانتخابات. ويرى مثل هؤلاء أنهم ضمنوا ترشحهم بسبب أموالهم وهيبتهم وتأثيرهم وولائهم، وتتضح هذه الظاهرة جليا في الأحزاب المركزية والتي تتخذ أغلب القرارات دون الرجوع إلى قواعدها وما على القيادات المحلية إلا التطبيق دون نقاش. إن الصفة القيادية للحزب ولمنتسبيه تكون بالجدارة والكفاءة والمؤهلات والممارسات الواعية التي تجعل من القائد قدوة حسنة لعموم الشعب، فالحزب إن لم يكن قادرا على تأطير وتنظيم منتسبيه وقادرا على قيادة نفسه متجاوبا مع إمكانية العمل ونوعية الأهداف بعيدا عن الولاءات الشخصية والفئوية والعشائرية والإقليمية، فإنه لن يكون حزبا يقود الحياة السياسية في البلاد. فالحزب الذي يقود الدولة من مؤسسة عسكرية وأمنية وديبلوماسية لابد أن تكون تركيبته منسجمة مع مبادئه وأهدافه وتوجهاته، وأن يتحلى منتسبوه بالمناقب الأخلاقية وحب التضحية ومحاربة الفساد والرشوة والفسق. ومن هنا يجب أن تكون قيادات الأحزاب ذات حسب وتاريخ نظيف وأصل شريف ومكانة اجتماعية لا يشوبها أبسط شك، لأن بتوفرها على هذه الصفات الحميدة تكون قادرة على استقطاب الجماهير وتحريك حماسها ومؤهلة لاختيار الرجال على درجة عالية من الوعي والعقل الراجح والتفكير العاقل الذكي والإرادة القوية وحس حضاري، لأن قيادة الحزب الفائز تتسلم بالنتيجة قيادة الدولة، بل قيادة القادة من الرجال على مختلف المستويات محليا ووطنيا. والقادرون على أداء هذا العمل الوطني العظيم هم الرجال الأكفاء النزهاء الشرفاء الذين تحتضنهم قائمة الترشيحات لتولي المناصب العمومية. ولكن المتعمق في الساحة السياسية في بلدي، الجزائر، سيقف مصدوما بسبب ما يرتكبه وما يقوم به - ممثلو الشعب - ولكن هذه الصدمة تزول عندما نعلم الطريقة التي أوصلتهم ليكونوا متصدرين لقوائم الترشيحات، فالأغلبية المطلقة من المترشحين دفعوا مبالغ مالية كبيرة جدا ليكونوا على رأس القائمة، وبالتالي فالذي يبدأ عهدته الانتخابية بالرشوة يكون برنامجه الرشاوى والاختلاس والنهب، أو يشترط منفعة غير مستحقة له أو لمن حوله عندما يقوم بأداء أو يمتنع عن أداء عمل. إن الأحزاب في بلدنا، الجزائر، تحولت إلى مؤسسات الاستثمار في السياسة، فالترشيح وتولي المسؤولية في الحزب لا يكون إلا مقابل مبالغ مالية جد عالية، كما أن عنوان بعض الأحزاب يباع بالمزاد، لاسيما قبيل كل استحقاق انتخابي، وأصبحت الصراعات والفتن داخل الأحزاب على المسؤوليات وليس على البرامج والتوجهات، فهذه المؤسسة السياسية الاستثمارية هي التي أوصلت الكثير من المقاولين والمحتالين والمتابعين قضائيا والهاربين من دفع الضرائب والراشين والمرتشين وخريجي السجون لكي يكونوا جزءا من السلطة التشريعية، يعدون القوانين أو يصوتون عليها ؟ أو أعضاء بالمجالس الشعبية البلدية أو الولائية. وما زاد الأمور سوء وطلحا، هو طريقة الاقتراع النسبي على القائمة، فمتصدر القائمة أو من يليه فوزهم مضمون، وبالتالي فلا خوف على القيمة المدفوعة لتصدر قائمة الترشيحات. كيف القضاء على الاستثمار في مناصب الخدمة العمومية؟ إن الهدف الأسمى من إنشاء الأحزاب السياسية واستمرارها هو إشاعة الديمقراطية والحريات الأساسية والقيم والتداول على السلطة، في ظل الاحترام التام للمنظومة القانونية، وأن المتتبع للوضع في الجزائر يتأكد قطعيا أن السلطة يمتلكها فريق يحكم الجزائر ويقود مؤسساتها منذ عقود بنفس التشكيلة، إنما تتغير الأرقام والمواقع فقط. فالفريق يتناوب على السلطة بين الولاية والوزارة والنيابة والسفارة والاستشارة. ويظهر أن أعضاء هذا الفريق لن يفسحوا المجال للتداول على السلطة، بل مصرون على التناوب فقط، ومن يعتقد أنه لوحده مصباح يضيء البلد فهو مخطئ أو أن الوطنية تتجسد فيهم فهم على ضلال. إنه وحتى يطمئن الشعب الجزائري ويشعر أنه يشارك في اختيار مسؤوليه، فإنني أرى أن تكون الانطلاقة من تعديل الأنظمة القانونية المتعلقة بالانتخابات واستبعاد كلية الاقتراع النسبي على القائمة، بل تكون الانتخابات على اسم المترشح، وبالنتيجة سيكون الفائز هو الجدير بالتمثيل القادر على أداء مهامه، وعندها ستكون المجالس مشكلة من الأتقياء الأوفياء لوطنهم وشعبهم ومبادئهم. وفي إطار فتح الحياة السياسية يجب تخفيف شروط إعداد قوائم المترشحين الأحرار، وعليه أقترح تحديد 100 توقيع من ناخبي الدائرة الانتخابية، إذا كانت الانتخابات تخص المجلس الشعبي الولائي أو المجلس الشعبي الوطني، أو توقيع 02 ٪ من مجموع المسجلين في القائمة الانتخابية - على مستوى الولاية (الدائرة الانتخابية)، أما إذا كانت الانتخابات تخص مجلسا شعبيا بلديا، أقترح توقيع 04 ٪ من مجموع المسجلين في القائمة الانتخابية على مستوى البلدية المعنية. أما بالنسبة للدوائر الانتخابية الدبلوماسية والقنصلية، فقد أثبت الواقع عدم فعاليتها وجديتها ما عدا في مجال التبذير وصرف الأموال العامة بدون فائدة. كيف تكون دوائر انتخابية دبلوماسية وقنصلية في الانتخابات التشريعية ولا تكون دوائر انتخابية دبلوماسية وقنصلية في الانتخابات المحلية (بلدي ولائي). الأستاذ الشريف بواب محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة