ارتبط مصطلح “الثورة” في ذهني بشيئين: الأول ثورتنا التحريرية المجيدة التي أخرجتنا من نير الاستعمار الطويل، والثاني بمسلسل “الحريق” لمصطفى بديع، المقتبس عن رواية محمد ديب، عندما خرج الطفل عمر راكظا من المخبزة يحتضن خبزا وينظر إلى الطائرات الحربية المحلقة في السماء ويصرخ : “الثورة .. الثورة”، لأن الثورة التي حدثه عنها أجداده هي التي تعطي خبزا للجياع. والجزائريون عانوا الجوع أثناء الاستعمار مثلما عانوا الذل، حتى أن قرى بأكملها انقرضت سنوات المجاعة أثناء الأزمة العالمية بداية القرن الماضي. فأين “ثورة” الفضائيات والفيس بوك وميدان التحرير وشارع بورڤيبة وويكيليكس من هذا المصطلح اليوم؟ وهل هي فقط ثورة على الأنظمة؟ أم هي ثورة على نظام عالمي غير عادل، نظام يضع خيرات بلدان الجنوب لفائدة بلدان الشمال، مقابل حماية أنظمة مهترئة لا تقل جرما عن المستعمر، مثلما أشار إلى ذلك المفكر الفلسطيني ذي الأصول الجزائرية إدوارد سعيد في كتابه “الاستشراق”. وأين هي “ثورات” الشارع العربي من مقولة “الثورة يخطط لها العقلاء، ينفذها الشجعان ويستغلها الجبناء”؟ ثم هل سيسمح شباب الشارع الثائر بأن تسلب منهم ثوراتهم، وينتفع بها انتهازيون، مثلما بدأ يستعد لذلك التيار الإخواني في مصر، خاصة وأن “الثائرين” غير مؤطرين وغير منظمين، ومطلبهم الوحيد رحيل الأنظمة، أم أنها ستسد الطريق أمام المنتفعين؟ ثم إن الثورة تقوم في الأساس على مبدأ التضحية والتغيير الشامل والجذري للأوضاع، وهذا لا يتوفر في هذه “الثورات”، التي تفتقر لإيديولوجيا ومشروع إجتماعي وحضاري، وأسبابها إجتماعية أكثر منها سياسية، مثلما كان ذلك واضحا في انتفاضة تونس. وفي ثورة أكتوبر 88 التي هيأت لها أزمة 86 مناخ الانفجار. أم أننا نحضر نمطا جديدا من “الثورات” مخالفا لمفاهيم الثورة في كل القواميس العالمية .. ثورة على الجزئيات وثورة مزايدات بين طائفة وطائفة أخرى. وكل طائفة تدعي أنها هي التي تمتلك مفتاح الفرج، وهي التي تحب أكثر من الأخرى البلاد، وتعرف أكثر مصلحة الشعب، لكن لا أدري أي صنف من الحب تكنه كل طائفة للبلاد، هل مثل حب قيصر لروما، مثل حب الزوج لزوجته، الاستغلال والانتقاص منها، أم حب الشعب لها، حب الأبناء للأم، الاحترام والتبجيل؟ مازالت ثورات الشارع العربي في المخاض، ومازال الحكم عليها وعلى نواياها ومن سيتسفيد منها مبكرا، وإن كان لحد الساعة المهلل الوحيد لها أمريكا التي تهدد العرب بضرورة التغيير وبشرق أوسطها الجديد.