أصبح الحصول على عمل، استخراج وثيقة من الإدارات، ضرب موعد في مستشفى، لقاء شخصية مرموقة، وغيرها من الحالات، مرتبط ارتباطا وثيقا بمدى معرفة الفرد منا لأشخاص ذوي نفوذ وعلاقات متشعبة مع شخصيات في مختلف الإدارات والمصالح، أو ما يصطلح عليه ب”المعريفة” التي أضحت تعادل في الآونة الأخيرة الشهادة الجامعية أو شهادة موازية في مجال التكوين المهني بالنسبة لغير المتعلم، وتأشيرة للبطال يدخل بها أين شاء. ربما تسليط الضوء على ظاهرة “المعريفة” المستشرية كثيرا في بلادنا ليس من باب أنه موضوع لم تتطرق إليه وسائل إعلام أخرى من قبل، ولا من باب تحوله إلى أمر عادي بين الناس بالإمكان الجهر به حتى في وجه المسؤولين، على اعتبار أن الظاهرة كانت في السابق أمرا سريا للغاية، بل من يعتبرها عيبا. لذلك اختيار تسليط الضوء على هذه ظاهرة في هذا الوقت بالذات، يتزامن مع توقيت القرارات الاجتماعية والسياسية التي أعلن أنها رئيس الجمهورية، مؤخرا، القاضية بضرورة تسهيل وتخفيف وتبسيط الإجراءات بجميع الإدارات على اختلاف طوابعها وأنواعها، بمعنى أن هذه القرارات يمكن لها أن تفتح المجال واسعا أمام انتشار “المعريفة” بسبب الإقبال الكثيف للمواطنين، لاسيما الشبان منهم، على البلديات لاستخراج الوثائق اللازمة في ملفات تشغيل الشباب والسكن والقروض التي بدورها تتطلب وقتا طويلا لتسوية وضعيتها فقط بالنسبة للذين ليست لديهم الوسطية. توحدت مواقف المواطنين ممن استطلعت “الفجر” آراءهم، بخصوص الخطوات التي يجب أن تتبعها القرارات التي أعلن رئيس الجمهورية، من بينها القضاء النهائي على كل أشكال “المعريفة” التي قضت، حسب شهادة الشارع الجزائري، على أحلام وطموحات البسطاء. أبدى كمال، شاب في الثلاثينيات، وأحد المقبلين على الاستفادة من مشروع تشغيل الشباب، استعداده الكامل لتحمل مشقة استخراج الأوراق وتكوين الملف الذي سيسمح له بالدخول إلى عالم جديد يطلق من خلاله البطالة التي أنهكته مخالبها، شريطة أن تضمن له الجهات المعنية التسيير الشفاف لملف التشغيل، الذي يسيل لعاب الإنتهازيين، بطريقة تمكن كل شاب تستوفي فيه الشروط القانونية الاستفادة من المشروع دون تمييز أو إقصاء، وكذلك القضاء على كل أشكال المعريفة التي تقضي بدورها على الطموحات. وقد ذهبت، من جهتها، الطالبة الجامعية أمينة، إلى حد اعتبار “المعريفة” من أكثر الظواهر الاجتماعية تفكيكا لقيم المجتمع، وذلك عن طريق ظهور طبقة جديدة من الناس تحاول أن تسيطر على كل شيء، خاصة إذا كانت لا تمتلك المؤهلات والقدرات العملية. وتضيف في ذات السياق أنها عاشت العديد من المواقف، لاحظت فيها كيف أن شبابا في سنها أصحاب شهادات جامعية، اكتسحتهم الظاهرة التي تمنح الأحقية في العمل، التداوي، السكن، لمن يعرف فلانا وعلانا، دون مراعاة العواقب الوخيمة الناجمة عنها. كما لم تختلف كثيرا وجهة نظر عبد المؤمن، شاب متخرج من مركز التكوين المهني في تخصص الحدادة عن سابقيه، الذي ثمن القرارات الأخيرة لرئيس الجمهورية، حيث يرى أنه منح الأولوية المطلقة للمشاريع المستقبلية لفئة الشباب، لاسيما منهم حاملي الشهادات العلمية، لكنه أشار في ذات الشأن إلى أن هذه القرارات يجب أن تتبع بخطوات صارمة و ردعية، يضيف محدثنا، الماسكون بمستقبلنا في الإدارات باختلاق الحجج في ملفاتنا بالقول إنها ناقصة وغير صالحة ينبغي إعادة تكوينها من جديد، وما هي في الحقيقة إلا ذرائع يكسبون بها الوقت لإدماج أحد معارفهم مكان ذلك الشاب الذي يقضي أسابيع طويلة جريا وراء جلب أوراق هي في الأصل مقبولة. من جانب آخر، لقد طرح ملف تشغيل الشباب العديد من التساؤلات كذلك عن مقدرة الشباب في مباشرة العمل بقروض مالية ضخمة أو معدات وأجهزة ضمن مؤسسة مصغرة لم يعتادوا على إدارتها. ففي أحاديث مقتضبة لبعض الشبان ل”الفجر”، أكدوا أن استغلال المشروع لابد أن يتم مراقبته بشكل يضع الحد أمام التزوير في الملفات، حيث يمكن للعديد من أصحاب “المعريفة”، الحصول على شهادات عمل في التخصصات التي يريدونها دون مشقة حتى في مرور ملفهم أمام اللجان التي من مهامها الموافقة على الملفات. وفي سياق ذي صلة، ترى جليلة زاهد المختصة في علم النفس، في تصريح ل”الفجر”، إن “المعريفة” أثرت بشكل سلبي كبير في المجتمع الجزائري، مشيرة إلى أن الشاب الذي تعرقله حواجز هذه الظاهرة، يحاول توظيف ذكائه عن طريق إيجاد البدائل كدفع الرشاوى من أجل تحقيق ذاته، خاصة إذا كان لا يملك الوازع الديني. وأضافت ذات المتحدثة أن الشاب يحاول، كذلك، البحث أوتكوين معارف من خلال معارف آخرين بطريقة غير مباشرة، الأمر الذي يحول هذه الظاهرة رغم سلبياتها إلى أمر عادي عند الناس، يمارسون طقوسها بصورة يصبح الشخص الذي الذي يفكر على هذا المنوال غير سوي وغير عادي. وفي سؤالنا عن الحلول المقترحة للتقليل من حدة ظاهرة المعرفة، أوضحت جليلة زاهد أن الحل الأنجع يبدأ من الإدارة وذلك عن طريق تعزيز المراقبة، حيث اقترحت محدثتنا في هذا الصدد، أن يبادر إداري إلى وضع إعلان يستدعي بواسطته الشبان المستفزين من طرف أعوان الإدارة أو من تعرضوا إلى الإقصاء أو المماطلة بدون سبب، ويستمع لشكاويهم شفهيا وتقديمها كتابيا، ليتم رفعها إلى السلطات العليا للفصل في السلوكات التعسفية التي يتعرض لها الشبان، شريطة أن يكون عامل النزاهة طبعا متجذرا في شخصية الإداري.