تؤكد العديد من الإحصائيات أن عدد البطالين وخاصة التي وجهت لفئة الجامعيين في تزايد مستمر عبر تراب ولاية الجلفة، مما يستدعي دق نقوس الخطر واتخاذ تدابير عاجلة للتخفيف والتقليل من حدة الظاهرة لكي لا نقول القضاء عليها نهائيا. ومع ارتفاع عدد خريجي الجامعات الذي يقابله العرض المنخفض لمناصب سوق العمل المتاحة، لم يجد شباب اليوم المتخرج من الجامعات مفرا من شبح البطالة سوى اللجوء إلى بعض النشاطات كبيع السجائر والكاوكاو والهواتف النقالة بالسوق الموازية بقلب مدينة الجلفة وتزويد الهواتف النقالة بأرصدة التعبئة ( الفليكسي ) أوببيع الخضر والفواكه بالأسواق الشعبية للولاية. مهنة بيع السجائر والكاوكاو والفليكسي لاتقتصراليوم على الأميين أو محدودي التعليم فقط، فبفعل الإزدياد الكبير لعدد المتخرجين من الجامعة وقلة فرصة العمل المتاحة لهم أصبح الكثير منهم يظطرون مكرهين ووسط نظرات الاحتقار والإزدراء من طرف المجتمع إلى وضع طاولات السجائر تمكنهم من كسب قوت يومهم، وذلك تفاديا لدخول عالم الإجرام والسرقة والانحرافات ومن بين العينات الكثيرة في المجتمع الجلفاوي نجد حالة الشاب " ل/ أحمد " من بلدية القديد والذي قبل أن يتخرج بسنة وأمام ظروفه الاجتماعية والمادية القاهرة التي يعانيها فضل وهويدرس حاليا في السنة ثالثة أدب عربي بجامعة الجلفة قام بفتح طاولة صغيرة يبيع فيها السجائر لكن صدمتنا كانت كبيرة عندما علمنا منه أنه لا يقوم بهذه المهنة الحقيرة بغرض أن يعيل نفسه بل ليعيل من خلاله إخوته الصغار وعددهم خمسة وأمه وأبيه البطال، والذين يقطنون ببلدية القديد التي تبعد عن عاصمة الولاية ب 75 كلم . مؤسسات التربية موقع نموذجي للبيع طاولة هذا الشاب إختار لها مكانا استراتيجيا وخصيصا بين أربع مؤسسات تربوية وكأنه بذلك يريد تمرير رسالة مشفرة عبر المباشر إلى كل تلميذ يمر حوله وعن جولته في طلب العلم وتضحيته الشاقة لحوالي ال 16سنة التي قضاها في مقاعد الدراسة وكأنه يعبر بها للمتمدرسين المارين قرب طاولته صباح مساء عن تذمره من الوضعية التي آلت إليها البلاد فيما يخص تهميش الطبقة المتعلمة والنخبة المثقفة. مهما قلنا عن حالة هذا الشاب الجامعي المكافح ومهنته إلى أننا نرجع ونقول كما قال المثل الفرنسي الشهير "باليد الكحلة نأكل الخبز لبيض"، وتطبيقا لهذا المثل وللحد من ظاهرة البطالة الضاربة أطنابها بربوع ولاية الجلفة . كما تجدر الإشارة أن العديد من حاملى الشهادات الجامعية ببلدية عين وسارة يعملون بالمقاهي المنتشرة هناك حيث يعملون كنادلين للمقاهي (قهواجية) . وقد أشارت إحدى الدراسات أن انتشار آفة البطالة في صفوف الجامعيين هي أكثر منها في ذوي التعليم البسيط وغير المتعلمين وأشارت أنه تتناقص حظوظ الحصول على العمل وذلك تبعا لارتفاع المستوى الدراسي والأكاديمي . وتبقى مهنة بيع السجائر والكاوكاو من بين المهن الشعبية التي يمارسوها شباب عاطلون عن العمل وجدوا فيها ملاذهم وضالتهم وراحتهم لتأمين دخلهم اليومي من جهة والهروب من شبح البطالة القاتل والممل وكذا تفادي وقوعهم في متاهات هم في غنى عنها بعدما صدت في وجوهم كل الأبواب وفرص العمل . لم يجد شباب اليوم الجامعي مهنا أخرى سوى بيع أشياء بسيطة كبيع بعض المواد الغذائية وغيرها على أرصفة الأسواق ومزاولة مهن حقيرة ولا يقتصر هذا النشاط على الشباب الجامعي بل تعدها وأمام الحاجة الماسة والأوضاع الإجتماعية المزرية وأمام ما وصل إليه وضع حاملو الشهادات الجامعية فضل كثير من الأطفال اختصار الزمن والتعب وعوضا أن يزاولوا دراستهم وخوفا من وقوعهم في براثن البطالة التي تتراء لهم كالشبح، والتي أصبح الكثير من الأطفال يتوقعون بل جازمين أنها ستقع لهم وبأنهم سيعانون منها لا محالة وذلك كما يحدث لخريجي الجامعات لجأ الكثير من الأطفال، وهم في عمر الزهور إلى إمتهان مهن شاقة ومتعبة وعلى سبيل الذكر وجدنا أطفال يعملون بمستودع لغسل وتنظيف وتشحيم السيارات مقابل أجر زهيد. وذلك كي لا يضيع الوقت في مزاولة الدراسة وطلب العلم فهم، ورغم صغر سنهم فهم يحلمون باقتناء وشراء سكن ومن ثم الزواج وتكوين أسرة، وذلك قبل بلوغ ال 25 سنة حسبهم وهذا لإختصار الزمن والمسافة والتخلص من كارثة ستقع لهم مستقبلا إن هم اتكلوا على الشهادة الجامعية في زمننا هذا. مثقفون مازالوا يرفضون الاندماج إذا كان هذا حال بعض شبابنا الجامعي الذين آثروا أن يزاولوا مرغمين هاته الأعمال والمهن الحقيرة متحملين بذلك تهكمات ونظرات استهزاء المجتمع فإن الكثير منهم لم يستطع ولم يقدر أن يتجرأ على فتح طاولة، أوماشابه ذلك من الأعمال ومنهم الشاب " ك،م" 25 سنة من بلدية الجلفة والذي بدوره حامل لشهادة الليسانس حيث قال أنه لا يستطيع أن يتحمل نظرة المجتمع إليه بل كيف له أن يتحمل رد فعل خطيبته إن وجدته يبيع في السجائر أوالكاوكاو أو الخضر، أوما شابه ذلك ورغم رفضه الشديد لمزاولة هاته المهن إلا أنه ذكر لنا أن أصبح يخاف طلوع النهار حيث ما إن تشرق الشمس حتى ينطلق كل شخص وكل فرد إلى الوجهة التي يقصدها فالعامل يذهب إلى مكان عمله والإداري إلى إدارته والمعلم إلى مدرسته ...ليجد نفسه في الأخير تائها في طرقات وأزقة المدينة طوال النهار بدون وجهة يقصدها مما سبب له ألما داخليا عنيفا لضياع سنين شبابه دون جدوى ودون أي هدف فحسبه أي إطارات لأي مجتمع ولأي بلد بل أكثر من ذلك فحسبه أن يتمنى حلول الليل فالليل يعتبره بالنسبة له "سترة" حيث أن كل الناس يصبحون سواسية حيث تزول الفروقات بين العامل والبطال فالكل مع موعد السهر والحديث والدردشة أين يتلاقى الجميع في الطرقات.....وهنا وتحديدا مع حلول المساء يحس أنه حي وأنه ينتمي إلى هذا المجتمع إلى غاية طلوع النهار لتبدأ مأساته من جديد مع عقدة العمل وأزمة البطالة ... كل هاته المعاناة التي يحياها خريجو أو لنقل بطالو الجامعات لا تستطيع هاته الأسطر المعدودات التعبير عنها أووصفها فهم وحدهم من يدرك ويحس بحجم المرارة التي يتجرعونها في كل لحظة ... فالعينات التي تناولناها في موضوعنا هذا تعتبر قطرة من بحر الألم والمأساة التي يتكبدها ويعيشها هؤلاء .