تتفاجأ بعض العائلات ببعض اضطرابات النطق لدى أطفالها، التي قد تصل في بعض الحالات إلى العجز عن تكوين جملة مفيدة، لكنها لا تحرك ساكنا لعلاج المشكل وتتركه للزمن، معتبرة إياه مشكل مؤقت يمكن تجاوزه مع مرور الأيام. اضطراب الكلام حالة عابرة تزول بالتدريج يعتبر العديد من الأولياء مشاكل النطق والتأخر في الكلام مجرد حالة عابرة يتجاوزها الطفل بمجرد دخوله للمدرسة وتعلمه للقراءة والكتابة، وهو رأي الكثيرين، أمثال “أميمة”، أم لطفل في الثالثة من عمره لم يبدأ الكلام بعد، بل يقتصر نطقه على ألفاظ محددة وغير مفهومة للجميع.. المشكل أن والدته مقتنعة أنه سيتكلم بطلاقة عندما يكبر، كما أن والدتها وحماتها أكدتا لها أن بعض الأطفال “دمهم ثقيل” ولا يتكلمون باكرا، أميمة بعد ذلك لا يساورها أي شك أو قلق حول وضعية ابنها وتستبعد فكرة أنه مرض يمكن أن يرافقه لسنوات. تتزايد قلة الإهتمام بهذا الموضوع عند المتقدمين في السن، وربما يعود ذلك إلى عدم وجود الأخصائيين في هذا المجال في زمانهم، لذا فهم يتعاملون مع المشكل كأنه أمر عادي وغير قابل للعلاج والتغيير.. فهي تدخل في خلق الله. هذا ما حدثنا عنه السيد “علي.ب”، البالغ من العمر 60 سنة، الذي لا يعرف أن هذه المشاكل تمكن معالجتها وتفاجأ بوجود طبيب مختص في هذا المجال. هذا ما يؤكد أن فئة كبيرة من الجزائريين يجهلون طريقة التعامل مع هذا النوع من المشاكل. من جهة أخرى، يؤكد الكثير من المربين في الروضات والمدارس الإبتدائية أن الأولياء لا يستجيبون لنصيحتهم بأخذ الطفل عند أخصائي الكلام عند ملاحظتهم لأي خلل في النطق عند طفلهم فلا يولون الأمر أهمية كبيرة.. هذا ما أوضحته المربية “أمينة”، بقولها إن نسبة كبيرة من الأهل لا يتعاملون بجدية مع هذه الملاحظات، ولا تجد تعاون من طرفهم خاصة إذا نصحتهم باستشارة أخصائي الأرطوفونيا، مضيفة:”هناك مشكل عويص في استيعاب الأهل للدور الفعال لأخصائي التخاطب، وضرورة استشارته في مرحلة متقدمة من عمر الطفل”. “لسبع لسانات”.. الوصفة السحرية للعلاج كانت العائلات الجزائرية تستغل فرصة قدوم عيد الأضحى المبارك من أجل جمع “سبع لسانات” وتقديمها للطفل الذي يعاني صعوبة في الكلام، ويعتقدون بفعالية الوصفة السحرية التي تتطلب تحصيل سبع من “لسانات” الأضحية من الجيران والأقارب، ثم يخلطون جزءا من كل واحد منها ويحضرونه ليأكله الطفل الذي يعاني من هذا المشكل، وليشفى تدريجيا من هذا الخلل ويتمكن من الكلام بطلاقة. هذا ما حدثتنا عنه الحاجة “فهيمة”، فهي تقول إن هذه الوصفة أفادت العديد من الأطفال، وهي فعالة عبر السنين.. بالإضافة إلى زيارة الأولياء الصالحين، والتي تقول إنها فقدت شعبيتها في الآونة الأخيرة، بعد تحريمها ووضعها في خانة الشرك بالله. من جهتنا، سألنا بعض الأشخاص عن سر هذه الوصفة السحرية، ووجدنا أنها رائجة كثيرا في ضواحي ولاية بومرداس، فالكثير ممن صادفناهم يعرفونها ويؤكدون نجاعتها في علاج هذه المشاكل عند الصغار، لكننا وجدنا حالة استثنائية تحدثت عن عكس ذلك تماما.. هي السيدة “علجية” والدة “مروان”، صاحب الخمس سنوات، التي تحدثت كثيرا عن حالته وتحسرت على إهمالها لها، ففي بادئ الأمر اعتبرته عاديا ولم توله أهمية كبيرة ولكن مع مرور الزمن لم تتطور لغته، حتى أن أخاه الذي يصغره بسنتين بدأ يتحدث ومروان لازال يكتفي بإشارات وتمتمات غير مفهومة. “علجية” جربت وصفة اللسانات ثلاث مرات ولكن بدون جدوى، والغريب في الأمر أننا كنا أول من أخبرها عن وجود أخصائي في هذا المجال.. وهذا يوضح جليا أن هذه الوصفة الشعبية من المستحيل أن تحل محل الطبيب المختص. الاخصائي الأرطوفوني ينصح بالعلاج المبكر.. مع اختلاف المشاكل النطقية التي قد تعترض أي طفل في السنوات الأولى من حياته، فإن زيارة الأخصائي أمر ضروري للغاية، حيث يساعد في اكتشاف الحالة ومعالجتها في الوقت المناسب. هذا ما أكده لنا المختص الأرطوفوني “عثمان. ط” الذي يعتبر استشارة المختص عند ملاحظة أي خلل أول خطوة في العلاج وينصح بذلك مهما بلغت بساطة الحالة، موضحا أن هناك حالات يمكن أن تتطور مع مرور الزمن، في حين هناك أخرى تعتبر جد عادية، كالتأتأة أوالتلعثم في الكلام عند الأطفال من سنة ونصف إلى غاية خمس سنوات، وكل ما فاق ذلك يعتبر أمرا مرَضيا ويتطلب جلسات علاجية تختلف حسب نوع المشكل المطروح. وعن إقبال الأولياء على الأخصائي الأرطوفوني، تحدث عن ارتفاع محسوس خاصة في السنوات الأخيرة، مع وجود الكثير من الحالات التي أصبحت تحول إليه من طرف المدارس أوأطباء الأطفال، ما ساعد الكثيرين في معرفة مدى أهميته. كما أرجع جهل الكثيرين بهذا الاختصاص وعدم اقتناعهم به إلى حداثته في الجزائر فهو لم يدخل كتخصص في الجامعة الجزائرية إلا منذ بداية التسعينيات. وفي نفس السياق، حدثنا الدكتور عثمان عن مشكل آخر من شانه أن يعيق علاج بعض الحالات، والمتمثل في كونها تتطلب المتابعة في عدة جلسات، الأمر الذي تجده الكثير من العائلات مكلفا للغاية، فالجلسة الواحدة تكلف بين 600 إلى 1000 دج. وفي هذا الموضوع حدثتنا الاخصائية الأرطوفونية “كريمة زناتي”، مناوبة في مستشفى عمومي، التي أوضحت أن الكثير من الحالات تبدأالعلاج في العيادات الخاصة، ثم تلجا إلى المستشفيات العمومية عندما تصطدم بغلاء الأسعار، الأمر الذي يتسبب في الكثير من الأحيان في اختلال تطور العلاج. وتبقى الحالات المتابعة من طرف الأخصائيين جد ضئيلة مقارنة بالحالات الكثيرة التي تعاني من اضطرابات كلامية، أغلبها يرجع للجهل بوجود مختص يمكنه معالجتها، ومع ذلك تبقى هذه الإضطرابات مشكلة لا يمكن تجاهلها، خاصة عندما يتعلق الأمر بفلذات أكبادنا..