إن سيرة النبي عطرة فواحة بالنفحات في كل الأمكنة والأزمنة، فقد كان يبدأ الشهر الفضيل بالدعاء الصالح، فقد كان إذا رأى هلال رمضان قال: “اللهم اجعله هلال رشد وخير. آمنت بالذي خلقك” يقولها ثلاث مرات، ثم يقول :”الحمد لله الذي ذهب بشهر شعبان وأتى برمضان”، وفي باقي الشهر كان النبي أجود الناس، كما ورد في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان)، وخرج الإمام أحمد بزيادة في آخر وهي:”لا يسأل عن شئ إلا أعطاه” وكان جوده بجميع أنواع الجود من بذل العلم والمال وبذل نفسه لله تعالى في إظهار دينه وهداية عباده وإيصال النفع إليهم لكب الطرق من إطعام جائعهم ووعظ جاهلهم وقضاء حوائجهم وتحمل أثقالهم. فقد كان، كما دلت الأحاديث، يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة . وفي تضاعف جوده في شهر رمضان فوائد كثيرة: منها شرف الزمان ومضاعفة أجر العمل فيه، وفي الترمذي عن أنس مرفوعا “أفضل الصدقة صدقة في رمضان”، ومنها: إعانة الصائمين والقائمين والذاكرين على طاعتهم فيستوجب المعين لهم. ولذا فالجمع بين الصيام والصدقة أبلغ في تكفير الخطايا واتقاء جهنم والمباعدة عنها خصوصا إذا ضم إلى ذلك قيام الليل. فالصيام والقيام والصدقة تأخذ بيد الصائم إلى الجنة، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال: “من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا. قال: ومن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا قال: من تصدق بصدقة؟ قال أبو بكر: أنا. “قال فمن عاد مريضا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: “ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة”. وكان من سيرته في الشهر الكريم الإكثار من تلاوة القرآن الكريم وفي حديث فاطمة عن أبيها أنه أخبرها أن جبريل عليه السلام كان يعارضه القرآن كل عام مرة، وأنه عارضه في وفاته مرتين. وفي حديث ابن عباس رضي الله عنه أن المدارسة بينه وبين جبريل عليه السلام كانت ليلا، فدل على استحباب الإكثار من التلاوة في رمضان ليلا، كما يقول ابن رجب الحنبلي: ففي الليل تنقطع الشواغل وتجتمع فيه الهمم ويتوطأ فيه القلب واللسان على التدبر كما قال سبحانه: {إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءاً وَأَقْوَمُ قِيلا}[المزمل 60]. وشهر رمضان له خصوصية بالقرآن كما قال تعالى {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ } [البقرة 185] أي أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلأى بيت العزة في السماء ، ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر1] وقوله سبحانه: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ} [الدخان 3]. وكان من شأنه إطالة القراءة في قيام رمضان أكثر من غيره ، يقول حذيفة كما هو في مسند الإمام أحمد: صلى بنا رسول الله في رمضان فقرأ (البقرة) ثم (آل عمران) ثم (النساء) لا يمر بآية تخويف إلا وقف وسأل قال فما صلى الركعتين حتى جاءه بلال فأذنه بالصلاة.وقد روي عن أبي ذر أن النبي قام ليلة ثلاث وعشرين إلى ثلث الليل وليلة خمس وعشرين إلى نصف الليل، فقالوا لو نقلتنا بقية ليلتنا فقال: “إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف كتب له بقية ليلته” . وهذا يدل على أن قيام ثلث الليل يكتب به قيام الليل كله، لكن مع الإمام، وكان الإمام أحمد يأخذ بهذا الحديث ويصلي مع الإمام حتى ينصرف ولا ينصرف حتى ينصرف الإمام . وقال بعض السلف: من قام نصف الليل فقد قام الليل، وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو عن النبي قال :”من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب مع القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين”، يعني أنه يكتب له قنطاران من الأجر. ولذلك كان بعض السلف يختم القرآن في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم كل سبع وبعضهم في كل عشر. وكان للشافعي في رمضان ستون ختمة يقرؤها في غير الصلاة، وكان الأسود يقرأ القرآن كل ليلتين من رمضان، وكان النخعي يفعل ذلك في العشر الآواخر خاصة وكان من سيرته الاجتهاد في العبادة والدعاء في العشر الآواخر من رمضان، حيث كان يخصها بإحياء الليل كله وخاصة في الوتر منها التي ترجى فيها ليلة القدر، حيث قال :”تحروا ليلة القدر في العشر في العشر الأواخر من رمضان”، وفي رواية البخاري “في الوتر من العشر الأواخر من رمضان”. اللهم ثبتنا على الحق وثبت الحق بنا اللهم وفقنا للقيام بطاعتك على الوجه الذي يرضيك عنا، وزك نفوسنا وأقوالنا وأفعالنا وطهرنا من سوء العقيدة والقول والعمل، إنك جواد كريم.