هوليوود ليست مجرّد "مصنع" للسينما الأمريكية، إنها "عرّافة" البيت الأبيض، والعلاقة بينها وبين الحكومة الأمريكية تعود إلى أكثر من خمسين عاماً، تحالفت فيها الصورة مع السياسة. يعّد فيلم "اليوم الأطول" في عام 1962 (سنة استقلال الجزائر)، البداية الفعلية التي عكست علاقة الزواج بين هوليوود والبيت الأبيض.. ومنذ ذلك التاريخ لم تفصل الإيديولوجية السياسية والاجتماعية الأمريكية عن بكرات هوليوود، الحديثة مقارنة بتجربة السينما الأوروبية، التي سبقت هوليوود في إنتاج روائع السينما الكلاسيكية. ويعتبر متابعون لسيرة هوليوود أن اللوبيات الضيّقة هي التي تتحكّم في أغلب إنتاجات أكبر علبة سينمائية في العالم، لعلّ أكبر ضحاياه هم العرب والمسلمون، حيث يقدّر النقّاد الأمريكيون أنفسهم أن هوليوود قد أنتجت ما يزيد عن 150 فيلما يسخر من الإسلام والعرب والمسلمين منذ 1986 حتى الآن، على غرار أفلام (قرار إداري Executive Decision: بطولة ستيفين سيغال، أكاذيب حقيقية True Lies: بطولة أرنولد شوازنجر، الحصار The Siege : وهو أسوأ فيلم صور المسلمين والعرب بأنهم إرهابيون. فيلم طائرة السيد الرئيس Air Force One : ، فيلم رحلة الرعب Voyage of Terror، فيلم محاكمة إرهابي Terrorist on Trial ، فيلم درع الرب الجزء الثاني، فيلم يوم الاستقلا لIndependence Day : وغير ذلك الكثير! في هذا العدد من "الفجر الثقافي" نضع "حجر الزاوية"، مع عدد من السينمائيين الجزائريين، فوق مسألة "توجيه الصناعة السينمائية في العالم" و"كيف استعملت السينما كمطيّة للتوجهات السياسية العالمية؟" وما مدى تجذّر "هذا الزواج الصوري بين السياسة والسينما في سينمات الدول غير الأمريكية؟" وصولا إلى السؤال الأهمّ "ما محلّ السياسة والقضايا الوطنية في جملة إعراب السينما الجزائرية"؟ متى تصبح السينما إيديولوجية؟ يقول السينمائي والمخرج دحمان أوزيد، إنه "لا نستطيع القول بأن السينما مهما كانت سواء الأمريكية أو الروسية أو الإيطالية أو حتى الفرنسية أنشئت منذ البداية لأغراض إيديولوجية، لأن الصناعة السينمائية الأمريكية هي قبل كل شيء تجارة وهدفها الأول هو إنتاج أفلام تلتقي بالجمهور ويحقق أكبر نسبة مشاهدة للحصول على المال الذي يساعد في صناعة أفلام أخرى مستقبلا"، لكن السؤال الذي يطرحه أوزيد هو "متى تصبح السينما إيديولوجية؟" والجواب، يعقّب أوزيد، هو "أنها تصبح كذلك مقارنة بموضوع الفيلم المقدم المختار وبالثقافة الخاصة بالبلد، وهو ما يفسّر حضور ثقافة الولاياتالمتحدةالأمريكية في الأفلام التي تعرضها هوليوود ولو في ما يسمى الخطوط العريضة وهي نفسها المعايير التي اعتمدت في بناء أمريكا"، ويواصل أوزيد قوله بأن "كل الأفلام التي أنتجت تتحدث عن تاريخ أمريكا وتروج لإيديولوجية معينة منها أفلام الوستارن مثلا، وكذلك أفلام الحرب التي تحاول في كل مرة إظهار الولاياتالمتحدةالأمريكية في مركز القوة والتحكم في زمام الأمور، رغم أن اعتماد الإنتاج السينمائي على إظهار الفرد الأمريكي بطلا ليست استراتيجية شاملة في كل الأعمال المقدمة"، ويؤكّد أوزيد أنه لا يجب أن تصور أن هناك مجلسا للمنتجين السينمائيين الأمريكيين يجتمع في كل مرة حول خطة استراتيجية معينة !! أو أن هناك مجلسا وطنيا للسينما الأمريكية يجتمع للقول إن لدينا برنامجا خاصا بالايديولوجية الأمريكية في العالم.. ويخلص أوزيد للقول بأن الخط السينمائي الأمريكي هو نتيجة حتمية لثقافة البلد، حيث إن الشاب الأمريكي يتلقى تربية تتماشى مع هذه الإيديولوجية المتبعة، وعليه فمن الطبيعي - حسب أوزيد - أن يكون منتجو الأفلام السينمائية الأمريكية يعتمدون نفس السياسة.. المخرجة والأكاديمية نادية شيرابي، قد لا تتفق كثيرا مع أوزيد فيما بعض ما ذهب إليه، حيث ترى مخرجة "المرآة" أن "جل الأفلام في السينما الأمريكية مسخّرة للدفاع عن مصالح أمريكا السياسية الاقتصادية والثقافية وحتى الدينية في الداخل والخارج على حد سواء وتحمل في طياتها الترويج لسياسة الحكومة الأمريكية بالحفاظ على الأمن القومي واستراتيجية الدفاع عن تراب الولاياتالمتحدة"، وتضرب شيرابي أمثلة بالأفلام السينمائية التي تتناول الحروب والاعتداءات سواء الإرهابية أو من طرف دول أخرى، حيث تبرز في مواضيعها تضحيات الجيش والشعب الأمريكي الذي يناضل من أجل الحرية والشرف والاستقرار، بالإضافة إلى أفلام أخرى تعمل جاهدة على تقديم نموذج الديمقراطية كأفضل نموذج في العالم بغرض الهيمنة والتأثير على باقي العالم باتباع هذه السياسة، وتشير شيرابي إلى أن "هذه الإيديولوجية المنتهجة من طرف الدولة الأمريكية هي أقل شأنا وأقل تأثيرا وبروزا عند نظيراتها في السينما العالمية الأخرى سواء الأوروبية أو الآسيوية أو العربية". هوليوود .. قضيّة دولة "خلال الستينيات والسبعينيات، كان المنتج الذي يريد الحصول على الإعانة المادية من الجهات الأمريكية، عليه أن لا يمسّ بقدسيّة العلم الأمريكي والدين المسيحي" تقول المخرجة باية الهاشمي التي تؤكّد أن السينما الإنجليزية، الإيطالية وبعدها الفرنسية أيضا سارت على نفس النسق، حتى السينما الروسية كانت -حسب باية -تحاول أن تواجه المدّ الرأسمالي بأفلامها ذات الروح الإشتراكية، لأنها فهمت بأن السينما هي سلاح العهد الحاضر. وتؤكّد الهاشمي أن أمريكا حضّرت مناخ حروبها على فيتنام، العراق وأفغانستان مثلا بالسينما. هذا المنحى يبرّره المخرج الشاب، عبد النور زحزاح، بقوله إن "السينما قضيّة دولة"، معتبرا أن جميع دول العالم دون استثناء بمن فيها الجزائر، لا تخرج عن إطار الترويج لإيديولوجية الدولة وفكرها السياسي والاجتماعي والثقافي وأمنها القومي من خلال الأفلام المختلفة التي تنتجها وتقدمها على شاشة القنوات، لأن الدولة - يضيف زحزاح - هي الوحيدة التي تستطيع أن تصنع الأفلام السينمائية نظرا لِما تملكه من أموال. مهلا.. هنالك ملائكة في هوليوود ! للباحث والناقد السينمائي أحمد بجاوي، رأي آخر في الموضوع، حيث يرى أن هناك العديد من الأفلام في السينما الأمريكية، كانت الأولى التي أدانت التدخل العسكري الأمريكي خارج أمريكا، وقد ظهر ذلك من خلال فيلم " les nus et les morts " " العراة والأموات"، الذي قام فيه راوول وولش سنة 1958 بانتقاد الحرب التي قادتها بلاده على كوريا، وهناك أيضا أفلام cimino كيمينو أو أفلام سكورسيس حول الفيتنام، مسألة الإبادة الجماعية للهنود من طرف الجنود الأوروبيين في أمريكا أعطت دفعا قويا لأفلام "المقاومة" مثل فيلم تشاينس ل جون فورد عام 1964 أو فيلم "الرقص مع الذئاب" سنة 1990 لكيفين كوسنير. وعطفا على ذلك يقول بجاوي، إن هناك حاليا في أمريكا سينما حقيقية الفاعلية جسّدها العديد من الممثلين على غرار جورج كلوني، مات ديمون وأيضا سين بين (Sean Penn) وبمقارنة السينما الأمريكية بالصناعات الأخرى يرى بجاوي بأنها "أكثر شجاعة من سينما فرنسا التي تجاهلت الثورة التحريرية الجزائرية وآثرت البقاء ضمن التكتلات الجديدة للسينما". في سياق متّصل، يقرّ المخرج الشاب، مؤنس خمار، أن "أمريكا هي الدولة الأكثر صناعة للأفلام التجارية الأكثر انتشارا في العالم، التي تسوق لسياستها من جهة أو لتجميل صورتها في العالم من جهة أخرى"، لكنها - يضيف خمّار - "تحتوي أيضا على سينما مستقلة قوية لها خطاب فعّال في هوليوود؛ حيث تنتج أفلام ضخمة تنتقد السياسة الأمريكية سواء في الداخل أو الخارج وهي نقطة مهمة ينبغي الإشارة إليها، فالأمر لا يتعلق بالدولة وحدها فقط وإنما بالخواص أيضا. ومن بين الدول التي تستعمل نفس الإيديولوجية في أفلامها أذكر مصر وفرنساإيران لكن الترويج لا يشير إلى السياسة والاستراتيجية الأمنية فقط إنما يتعدّاه إلى التعريف بصورة البلد في الخارج، فهو بمثابة نوع من البريستيج لأن العصر الحالي هو عصر الصورة والتقنية والدليل على ذلك حرب العراق حيث استطاعت الولاياتالمتحدةالأمريكية من خلال الحرب الإعلامية التأثير على الرأي العام العالمي وإقناعه بمدى شرعية الحرب وشنّ الهجوم على العراق، فلو كانت دولة صدام حسين تمتلك صناعة سينمائية قوية تبرز حضارة المجتمع العراقي وأساليب عيشه على المستوى العالمي لكانت مهمة خداع الرأي العالمي صعبة وشبه مستحيلة.