منذ سنوات والحوار يجري حول إصلاح الجامعة العربية.. وكانت الشكوى من شلل الجامعة أساسها أن الجامعة العربية تتخذ فيها القرارات بالإجماع والتوافق وليس بالتصويت وبالأغلبية.. أي أن كل عضو في هذه الجامعة له حق الفيتو على أي قرار تتخذه الجامعة العربية.. ولهذا لم تتخذ الجامعة العربية في تاريخها أي قرار لا يوافق عليه أي عضو من السيشل وقطر إلى مصر والجزائر.. يستوي في ذلك 80 مليون مصري مع 300 ألف قطري من السكان! كانت الجامعة العربية وما تزال جامعة الحكام وليس جامعة الشعوب.. ولهذا كان أمراء الخليج يعارضون أي إصلاح لهذه الجامحة لإخراجها من حالة هيمنة الحكام إلى حالة هيمنة الشعوب.. وأرادوها فقط أن تبقى جامعة تحت رحمة الأنظمة القوية بالمظالم والفساد وليس تحت رحمة الشعوب! أي أن تكون مثل الأممالمتحدة فيها كل الناس متساوون.. ولكن القرار في النهاية لأمراء الفساد ودولة المقر.. وما عداهما من الدول فهم قوم تبع! كانت مصر تعارض مع أمراء الخليج إصلاح الجامعة خشية فقدان هيمنتها على هذه الجامعة إذا تم إصلاحها.. ولذلك تحالفت مصر مع دول الخليج لإبقاء الجامعة على ما هي عليه من بؤس التنظيم.. فهي مجرد غرفة للمصادقة أكثر منها مؤسسة لاتخاذ القرارات.. ومؤخرا أصبحت مؤسسة للمصادقة على القرارات الأجنبية التي تخص العرب! في أوروبا الاتحاد الأوروبي شكل برلمانه ووزع مقاعد هذا البرلمان على حسب عدد السكان في كل دولة.. ولهذا جاء البرلمان الأوروبي برلمان الشعوب لا برلمان الحكومات.. لأن الحكومات حكومات الشعوب لا حكومات الأمراء والرؤساء المزورين! لكن برلمان العرب الذي أقامته جامعة البؤس العربي كان برلمان الأمراء والوزراء يعين النائب فيه بناء على قرار من الرئيس أو الأمير.. حتى ولو أن البلد العربي مثل قطر ليس به أصلا برلمانا! أو به شبه برلمان كما هو حال بعض دول الخليج.. أو برلمان مزور كما هو حال بعض الجمهوريات الملكية. المصيبة أن مصر ودول الخليج الذين رفضوا إصلاح الجامعة العربية للمحافظة على هيمنتهم عليها.. هم الذين يقومون الآن بالاعتداء على ميثاقها بتطبيق ما يسمى بمبدأ الأغلبية في اتخاذ القرارات؟! أية أغلبية هذه التي تجعل من قطر الدولة ذات 300 ألف نسمة صوتها في الجامعة العربية يعادل صوت مصر التي تعداد سكانها 80 مليون نسمة؟! أية ديمقراطية شعبية هذه التي يصدرها لنا أمير قطر عبر الجامعة العربية حال التصويت فيها هو هذا؟! لا نريد أن ندخل في متاهات.. ولكن نقول: إذا قدر للجزائر أن تبقى في هذه الجامعة فلا يمكن أن تبقى القرارات تتخذ بهذه الصورة التعيسة.. نحن نريد جامعة للشعوب.. لا جامعة لديمقراطية الأمراء. إذا أراد الغرب أن يعيد ترتيب أوضاع المنطقة العربية فله ذلك.. لكن لن يتم ذلك بالاعتماد على من يسميهم فرسان الديمقراطية في الوطن العربي من أمراء الخليج! لأن الغرب وكل العرب الشرفاء معه يعرفون أن أمراء الخليج هم آخر من يمكنه التحدث عن الظلم والفساد ومصادرة حقوق الإنسان. الجامعة العربية بوضعها الراهن غير مؤهلة لمعالجة المشاكل الداخلية داخل الدول العربية.. وإذا أردنا استخدامها في هذا الأمر يجب أن نبحث عن مواصفات جامعة أخرى غير هذه التي هي الآن. الجامعة العربية بوضعها القانوني الحالي غير قابلة لأن تعالج قضايا الدول العربية الداخلية.. لأنها صممت أساسا لأن تكون جمعية خيرية سياسية مصرية أكثر منها مؤسسة إقليمية لها أدوار في إدارة الشؤون العربية وبصفة البزنسة والخيرية هذه استولت عليها إمارات الخليج فأصبحت مؤسسة مرادفة للفساد العربي بشتى أنواعه وأشكاله.. وواجهة عاكسة لهذا الفساد.. بل وأصبحت مؤخرا حصان طروادة في يد أعداء العرب في المنطقة وخارج المنطقة. هذا هو واقع الجامعة العربية الذي يراد تسويقه لنا الآن.