يعد الخبز من أكثر المواد الأساسية استهلاكا عند الجزائريين باعتباره سيد المائدة بلا منازع، غير أن سلسلة صناعته تعرف الكثير من التعقيدات، لاسيما في المواد المستخدمة في صناعته، ناهيك عن طرق تسويقه غير الشرعية، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التبذير والرمي العشوائي له في الطرقات والشوارع، وسط ارتفاع أصوات المنادين بضرورة ضبط استهلاك الخبز والعمل على تغيير العادات الاستهلاكية السيئة للجزائريين. أخصائيون يدعون إلى ضرورة ترشيد عملية استهلاك الخبز مساعي مستقبلية لتعويض الخبز الأبيض بالأسمر استثمار أجنبي لإنتاج الخبز بمواد غير مسرطنة وفتح مصانع جديدة للخميرة إيمان خباد تعرف صناعة الخبز في السنوات الأخيرة عدة أنماط وتحسينات، حيث تتخذ كل مخبزة طريقتها الخاصة في صناعته وكذا في اختيار المواد المستعملة لذلك، كالخميرة والمواد الكيميائية كمحسن الخبز، بالإضافة إلى طريقة تسويقه التي تعرف هي الأخرى خبايا كثيرة، أهمها الربح السريع بالتعاون مع بعض البائعين الفوضويين الذين يأخذون عمولتهم من البيع على أرصفة الطرقات أوفي الأسواق الموازية والأسبوعية. وفي هذا الإطار كشف الناطق الرسمي باسم اتحاد التجار الجزائريين، الطاهر بولنوار، في تصريح ل”الفجر”، أن الخبز الأبيض المصنوع من مادة الفرينة، ليست له قيمة غذائية مقارنة بالخبز الأسمر، قائلا: “إن الكثير من دول العالم تستغني شيئا فشيئا عن الخبز الأبيض”، حيث كشف هذا الأخير “أنه سيرسم برنامجا مستقبليا للاستغناء عن الخبز الأبيض واستبداله بالأسمر”. أما فيما يخص الخميرة المستعملة في صناعة الخبز، أضاف محدثنا أنه بين الحين والآخر يتم اكتشاف عدم صلاحية الخميرة من طرف الخبازين، لذا فهم دائمو الحيطة والحذر في هذا الخصوص، وعليه سيوضع في 2012 برنامج جديد يحدد اتفاقيات مع بعض المنتجين، ليتم إنتاجها في الجزائر. فرغم العدد الكبير للمخابز واستهلاك الجزائريين للخبز بكثرة، إلا أنه للأسف لا توجد مصانع خاصة لإنتاج الخميرة محليا، قائلا:”سنضغط على المستوردين بإقناع المنتجين للخميرة في الخارج بالاستثمار في الجزائر وتصنيعها عوض بيعها، وإلا سنقاطع الخميرة التي يستوردونها”. وفي سياق آخر، قال الناطق الرسمي باسم اتحاد التجار الحرفيين الجزائريين الطاهر بولنوار:”هناك 13 ألف مخبزة تنشط في الجزائر وتضمن أكثر من 40 مليون خبزة يوميا”، مشيرا إلى أن الجزائريين من أكثر الشعوب استهلاكا للخبز، غير أن بيع الخبز على قارعة الطريق يشكل خطرا كبيرا على صحة المواطن أيضا يشكل خطرا على جيبه أيضا، لأن التجار الفوضويين وبعض الخبازين متواطئين مع هؤلاء عن طريق استعمال الأسواق الفوضوية والأسبوعية لإعادة بيعه بأعلى ثمن. وأضاف ذات المتحدث أن هناك مشكلا آخر يكمن في التجار الفوضويين الذي يعرضون سلعهم على قارعة الطريق فمادة الخبز التي تباع في المخابز يجب أن يكون لها ترخيص، لأنها تجارة ينبغي أن تتوفر فيها شروط الصحة، مضيفا أن المستهلك له دور كبير لأنه هو الذي يفرض منطقه في السوق الجزائرية. رئيس جمعية حماية المستهلك محمد عيساوي ل”الفجر” “مواد كيميائية خطيرة في الخبز تهدد صحة المستهلك” كان لرئيس جمعية حماية المستهلك محمد عيساوي، رأي في هذا الموضوع، حيث أعرب هذا الأخير عن انزعاجه واستيائه من هذه الظاهرة التي قامت جمعيته في العديد من المرات، ولاتزال لحد اليوم، بحملات تحسيسية، من أجل ترشيد عملية استهلاك الخبز، مشيرا إلى أنه “يجب أن تكون هناك أنماط استهلاكية صحيحة لأن رمي الخبز في القمامات وفي الشوارع يعتبر أمرا خطيرا من الناحية المادية، إضافة إلى أن الوازع الديني ينبذ هذا السلوك، لاسيما أن الدولة تدعم هذه المادة عن طريق تخصيص مبالغ معتبرة لاقتناء المواد الأساسية التي تصنع منها. فبالرغم من نوعية الخبز الرديئة، إلا أنه يجب أن يكون استهلاك الخبز على حسب المتطلبات والكمية الاستهلاكية اليومية لكل عائلة”. أما فيما يتعلق بالشروط الأساسية في صناعة الخبز، على غرار الوزن، فيجب أن لا يقل وزن الخبزة الواحدة عن 250غ، وكل ما يقل عن هذا الوزن يعتبر غشا.. لأن الوزن الأصلي محدد في القانون وكل إخلال بأي شرط من الشروط يؤدي بصاحبه للتعرض إلى عقوبات صارمة. وأشار عيساوي إلى أن الخبازين يقومون بحذف بعض المواد الأساسية في صناعة الخبز، لأن لهم مطالبهم الخاصة، مطالبا السلطات الأخذ بعين الاعتبار هذه المطالب، لكي يكفوا عن غش المواطن واحترام شروط النظافة. وفي السياق ذاته، قال ذات المتحدث: “هناك مادة كيميائية خطيرة، وفي مقدمتها محسن الخبز، تشكل خطرا على صحة المستهلك تؤدي إلى الإصابة بالسرطان، تستعمل في صناعته لإعطائه مظهرا جذابا..”، مشيرا إلى أن جمعيته تعمل جاهدة للحد من استعماله بمساعدة أعوان الرقابة الذين يسهرون على مراقبة هؤلاء الخبازين. أخصائيون ل”الفجر”: الإفراط في تناول الخبز الأبيض يرفع نسبة الأنسولين في الجسم أفاد أخصائي التغذية، كريم مسوس، في تصريح ل”الفجر”، أن الخبز الأبيض المصنوع بالفرينة تتحول الحبوب المطحونة فيه إلى سكر بمجرد دخولها إلى جسم الإنسان، وبالتالي تؤدي إلى ارتفاع نسبة الأنسولين في الجسم، لتحرق كمية السكر الموجودة في الدم. كما أن الإفراط في تناوله يسبب زيادة في الوزن على مستوى البطن، خاصة إذا كان مرفوقا بأغذية أخرى.وفي السياق ذاته، قال ذات المتحدث “إن للخبز الأسمر المصنوع بالشعير يساعد على المحافظة على الوزن طبيعيا والتخلص من السمنة، لأنه جيد للجسم ويخفف من احتمالات الإصابة ببعض أنواع السرطان وأمراض القلب لاحتوائه على نسبة عالية من مجموعة فيتامين (ب) وهي: ب1، ب2، ب6، مشيرا إلى أن المحسن الذي يضاف إلى العجين هو الذي يشكل خطرا على صحة الإنسان لاحتوائه على مواد كيميائية، وعليه يصبح غير طبيعي، مطالبا الخبازين احترام المقدار المسموح به في صناعة الخبز. من جهته، قال الدكتور حكيم بورنان “إن الإفراط في تناول الخبز له أضرار كثيرة على صحة الإنسان، كما أنه يؤدي إلى السمنة وارتفاع نسبة النشاء في الدم، كما أن المواد الكيميائية والملونة منها التي تدخل في صناعته تتسبب في الإصابة بعدة أمراض، وفي مقدمتها السرطان والقولون وكذا الإصابة بمرض الغدة الدرقية”. وأضاف محدثنا أن طريقة عجن الخبز واستعمال الخمائر وطريقة طهيه من الأسباب الرئيسية التي تجعله يضر بصحة الإنسان، لذا من الأحسن استبداله بالخبز الأسمر لاحتوائه على الكثير من المعادن كالحديد، الزنك،الكالسيوم والفوسفور. جاني، شايق، لادوشال والفرن السحري.. مخابز زمان بالعاصمة هناك من المخابز التي برزت في مجال صناعة الخبز وكذا الحلويات، والتي تعود نشأتها إلى عهد الاستعمار، حيث لمعت وتركت بصمتها إلى غاية اليوم مع إضافة حلة جديدة لها، ليتوارثها جيل بعد جيل. ولعل مخبزة جاني ببوزريعة، وشايق بحيدرة، وكذا لادوشال والفرن السحري، من أقدم المخابز في العاصمة. انتقلت “الفجر” إلى بعض هذه المخابز التي سمعنا عنها كثيرا.. وبمجرد أن تنطق باسم واحدة منها سرعان ما يدلك الجميع عليها، لأنها غنية عن كل تعريف، وهذا راجع لجودة منتوجاتها حسب شهادة البعض ممن تحدثنا إليهم، حيث شاركت مخبزة جاني ببوزريعة في الكثير من المسابقات في الخارج وتحصلت على العديد من الجوائز والميداليات الذهبية في مجال صناعة الخبز والحلويات.من جهة أخرى، كشف لنا صاحب مخبزة لادوشال بالعناصر” أن مخبزته تعود لسنوات الأربعينيات، أين كان جده يعمل رفقة أبنائه واليوم توارثها الأحفاد لتصبح من أشهر المخابز في العاصمة”. وفيما يخص رأي أصحاب المخابز القدامى عن جيل اليوم والمخابز العصرية، يضيف صاحب مخبزة لادوشال، أن سر المهنة يكمن في عدم غش الزبون والسمعة الطيبة سر نجاح أي تاجر..”وللأسف بعض أصحاب المخابز يفتقرون للضمير المهني بحثا عن الربح السريع، إذ يغشون في صناعة الخبز وبالتالي يفقدون مكانتهم واسمهم بين باقي المخابز الأخرى”. ظاهرة التبذير والرمي العشوائي للخبز في تزايد كبير من المؤسف أن ترى وأنت ماش في الشارع أكياسا مملوءة بقطع الخبز، على اختلاف أشكالها وأنواعها، على حافة الطرقات وفي سلات رمي القاذورات والمزابل العمومية. هذه الظاهرة تزداد يوما بعد يوم بشكل ملفت للانتباه، حيث أصبحت تشكل مصدر إزعاج لبعض المسؤولين والمختصين وحتى المواطنين، خاصة أنها تهدد بيئتنا وصحتنا. وفي هذا الشأن ارتأت “الفجر” أن تسلط الضوء على هذه الظاهرة للوقوف على أسبابها وتداعياتها وكذا كيفية تعامل الجزائريين مع الخبز في حياتهم اليومية.. اصطدمت “الفجر”، وهي تقوم بجولتها الميدانية في بعض الشوارع والأحياء بالعاصمة وخارجها، بواقع مؤلم لمنظر يقشعر له البدن، إضافة إلى عبارات تتردد على مسامعنا كعبارة حرام، تبذير، سلوك غير أخلاقي.. التي يتلفظ بها البعض، حينما يرون قطع الخبز المتناثرة هنا وهناك على حافة الطريق وفي الأرصفة. وفي زيارة قادتنا إلى أحد الأحياء العتيقة كشارع محمد بلوزداد، شارع حسيبة بن بوعلي، القصبة وغيرها من أحياء العاصمة، وقفنا على مدى انتشار هذه الظاهرة التي تجاوزت كل الحدود. وفي هذا الشأن أجمع من تحدثنا إليهم “أن رمي الخبز أوالتبذير في استهلاكه يعتبر سلوكا غير لائق وتصرفا غير معقول لأشخاص وصل بهم الأمر أن يرموا “النعمة” في الأرض”، منوهين إلى ضرورة وضع حد لهذه الظاهرة من قبل المسؤولين وحتى أعوان الرقابة.موقف يتكرر يوميا لقطع خبز تترامى في أكوام بين النفايات، هذا ما جاء على لسان السيدة جميلة، ربة بيت، مشيرة إلى “ضرورة أن تضبط الأسرة استهلاكها للخبز وعدم الإفراط في شراء كمية كبيرة لكي لا ترمى في الزبالة”.من جهتها قالت السيدة (ن.ي)، موظفة بسلك التعليم: “ يمكن الاحتفاظ بالخبز في الثلاجة وإعادة تسخينه وتناوله من جديد”. .. الله يرحم أيام زمان قال عمي عمر، البالغ من العمر 65 سنة: “خبز أيام زمان غير الذي عليه الآن، حيث كان يباع بالميزان”، مضيفا أن مدة تخميره تستغرق ساعات على عكس الخبز في وقتنا الحالي الذي يستغرق نصف ساعة لتخميره بواسطة مواد كيميائية أثرت على مذاقه، مشيرا إلى أن الخبز “البايت” يصبح كقطعة مطاط لا يمكن تقطيعه أوهضمه، بالإضافة إلى طعمه الذي لا يصلح للأكل مرة ثانية، لذا تتخلص منه العائلات بعد أن يرفض أفرادها تناوله”. من جهة أخرى، فالبعض يفرمون الخبز لاستعماله في أغراض متنوعة، كصناعة الحلويات أو استخدامه في بعض الأطباق، تفاديا لرميه بسبب مذاقه الرديء، حسبما قالته خالتي عائشة، إحدى السكان القدامى بحي بلوزاد.. “في الماضي كانت رائحة الخبز تنتشر على بعد أمتار، ناهيك عن مذاقه الحلو، على عكس خبز اليوم الخالي من أي ذوق”. فصناعة الخبز تتطلب من صاحبها أن يتمتع بالحرفية، ناهيك عن شروط النظافة التي ينبغي أن تتوفر في كل مخبزة، غير أن هناك من الخبازين من يحدد سعر البيع الخاص، إذ يختلف هذا الأخير من مخبزة إلى أخرى. وفي هذا السياق، أرجع سمير، طالب بالثانوية، سبب رداءة صناعة الخبز إلى افتقار الخبازين للحرفية والخبرة في صناعة الخبز، مضيفا أن التحكم في السعر ليس من اختصاصهم، مطالبا بفرض الرقابة المشددة على هؤلاء الخبازين الذين فرضوا قانونهم الخاص دون حسيب أو رقيب!. من جهة أخرى يحتل استهلاك الخبز بالنسبة للجزائريين المراتب الأولى، باعتباره مادة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، لذا فجودة صناعته تلعب دورا كبيرا في عملية تسويقه، إلا أنه في الكثير من المرات نصطدم بوجود أشياء دخيلة، كالعثور على بعض الشوائب كالحصى أوالحشرات. وفي هذا الإطار تقول منال طالبة جامعية، إنها وجدت قفلا داخل قطعة الخبز، مشيرة إلى أنها كادت أن تؤثر على أسنانها لولا ستر الله”.