لم يجد بعض المواطنين سبيلا لتوفير الأدوية والعلاج أمام عجزهم عن اقتنائها، سوى التحايل على الضمان الاجتماعي بالتزوير في الوصفات الطبية لاستعمال بطاقات الضمان الخاصة بالمؤمّنين اجتماعيا، للتمكّن من التعويض ومواصلة العلاج؛ فيما تعتبرها الجهات المعنية مخالفة للقانون، يُقدم عليها الكثير من الأطباء كوسيلة لمساعدة محدودي الدخل. لطالما بحث المواطنون عن الأساليب والطرق التي تمكّنهم من اجتياز ما يسمونه عقبة الإدارة، وتكييف قوانينها مع وضعياتهم. وإذا تحدثنا عن الصحة فكل شيء يهون من أجلها، ومن استعصى عليه توفير الدواء اللازم لحالته، فيكفي أن يكتب الوصفة باسم شخص آخر مؤمّن ليتحصل على كامل التعويض. والغريب في الأمر أن الأطباء لا يمانعون في الاشتراك في هذا السلوك، فمن خلال جولة في بعض المستوصفات بالعاصمة اكتشفنا مدى الانتشار الواسع لهذه الظاهرة، فالعديد من الأشخاص غير مؤمّنين اعترفوا أنهم يلجأون للحيل بقصد تعويض تكاليف العلاج الباهظة في حالات بعلم من الأطباء، وفي حالات بتجاهل واضح منهم لمساعدتهم. ملاذ محدودي الدخل أمام غلاء تكاليف العلاج توصلت “الفجر”من خلال حديثها إلى العديد من المواطنين إلى أن ضعف القدرة الشرائية لديهم وغلاء بعض الأدوية، وكذا عدم تحصل العديد من المواطنين على فرصة التأمين الاجتماعي، جعلهم يقدمون على مثل هذه السلوكات الخاطئة، ويعرضون أنفسهم لهذا البلاء الخطير، والذي يضعهم أمام إمكانية اللجوء إلى حالات تزوير الوصفات الطبية، ودفعها بأسماء أشخاص مؤمّنين سواء من أقاربهم أو جيرانهم وأصدقائهم ممن يتمتعون بهذا الامتياز. فالسيدة “فاطمة الزهراء” على سبيل المثال امرأة في الخمسين من العمر تقربنا منها وتحدثنا معها عن الأمر، فقالت لنا بأن العديد من قاصدي المستوصف يلجأون لتغيير الوصفات، أو يطلبون من الطبيب المعني وضع أسماء غير أسمائهم بقصد تعويض أموالهم، وهذا هو سبب قدومها إلى المستوصف، اليوم، بعد تأكدها من جارتها أن الطبيب في هذا المستوصف لا يمانع ذلك. أما السيد “حمدان” والذي التقيناه بإحدى العيادات الجوارية المتعددة الخدمات، أكد لنا من جانبه أنه كذلك غير قادر على تعويض أدويته التي يقتنيها من الصيدليات، فلم يكن مطلقا مؤمّنا بل لم يعمل عملا مستقرا طيلة حياته، بالرغم من بلوغه سن 45 عاما، وهذا ما يدفعه لكتابة اسم الوصفات باسم أخيه المتقاعد والذي أضحى من السهل عليه استخراج الأدوية بواسطة بطاقة التأمين.كما أن الكثير من المواطنين والمرضى أكدوا لنا الحالة ومدى انتشار هذا السلوك ولأسباب مختلفة لعلها كلها تتمحور حول عدم تمكّن العديد منهم من تعويض تكاليف العلاج التي تعد - على حد تعبيرهم - باهظة جدا في بلادنا بالنسبة للشخص غير المؤمّن، خاصة إذا كان من أصحاب الأمراض المزمنة غير المؤمّنة. الأطباء يشاركون تحت شعار “مساعدة المحتاجين” من جهتنا، تقربنا من أحد الأطباء بهذه العيادات العمومية، والذي رفض الكشف عن اسمه، وقد أوضح أنه لا يجد حرجا في تغيير أسماء هؤلاء المرضى إلى أشخاص مؤمّنين اجتماعيا، ويمكنه تعويض دوائهم أو الحصول على دواء بشكل مجاني. وعلى حد قوله فأغلب من يقصدونه لهذا الأمر هم ممن يضطرهم عوزهم وحاجتهم وليس بقصد التزوير، كاشفا أنه لا يقوم بهذا الفعل إلا عند تأكده من عوز المريض. وأضاف أن العديد من المرضى في الجزائر غير مؤمّنين، خاصة فيما يتعلق بالرجال، وهو ما يدفعهم لسلوك هذا السبيل، مشددا على وضعية بعض المصابين بالأمراض المزمنة وغير المؤمّنين، ما يجعلهم يعانون مع مضاعفات مرضهم ومع عدم تمكّنهم من الحصول على الأدوية في الوقت الضروري، بسبب عدم تمكّنهم من توفيره لأنهم لم يعملوا بشكل منتظم طيلة حياتهم. كما أكد أن عدد المرضى المزمنين مرتفع في بلادنا بحسب ما نقرأه من تصريحات هنا وهناك. الصيادلة “الظاهرة تطورت بعد تفعيل بطاقة شفاء” تشكّل الصيدليات طرفا آخر في هذه العملية، فهي المكان الذي تحضر من أجله الوصفة المزورة. وأثناء تواجدنا بإحداها المتواجدة في أول ماي لمسنا مواقف الاستغراب التي يتعرض لها العاملين بها. وفي هذا السياق، قالت إحدى العاملات هناك أن ظاهرة تزوير الوصفات قد استفحلت في المجتمع منذ فترة طويلة، وعرفت تماديا مخيفا مؤخرا مع تفعيل بطاقة الشفاء، لتفاجأ يوميا بالعديد من الحالات الغريبة التي - وعلى حد قول محدثتنا - تثير الانتباه وتستدعي الوقوف عندها. وتضيف مثلا جاء أحدهم ليشتري دواء لحب الشباب ببطاقة شفاء لعجوز طاعنة في السن، كتب اسمها على الوصفة! لم يختلف معها الصيدلي كريم الذي ضاق ذرعا بهذه الحالات التي أصبح يعتبرها مستفزة، على غرار حالة رجل جاء لاقتناء دواء خاص بالأمراض النسائية يساعد في إيقاف النزيف وطبعا الوصفة باسمه وممضية باسم طبيب الأمراض النسائية والتوليد!! وبين مرحب ومعارض، يبقى على السلطات المعنية تسوية الوضع للحد من الظواهر المشابهة والحفاظ على ممتلكات الدولة من النصب.