شيع، مساء أمس الجمعة، بقرية اث بومسعود باعالي ايفرحونن بدائرة عين الحمام بولاية تيزي وزو، جثمان الفنان الراحل شريف خدام في جو جنائزي مهيب و هو ما وقفت عليه "الفجر" خلال متابعتها لمراسيم الجنازة. لم يتسع مسقط رأس الراحل المطل على سفوح جرجرة لحشود المواطنين الذين جاؤوا لتوديعه والقادمين من مختلف مناطق الوطن. وقد بدات الوفود تقصد القرية منذ الساعات الاولى من يوم امس، لإلقاء النظرة الأخيرة على صاحب رائعة "يسيس نثمورثيو" و"الجزائر انشاله اسلحوض" وقد عمد المنظمون من أعضاء الجمعية الثقافية الحاملة لاسم الارحل والهلال الاحمر الجزائري الى ادخال تدابير عاجلة لتفادي الفوى حيث تم منع اقتراب السيارات من مسكن الفقيد الامر الدي اجبر الذين قصدوا المنطقة في المشي على الأقدام لحوالي اربع كلومترات، الى غاية مسجد القرية، حيث تم وضع جثمانه. وقد حضر الجنازة التي وصفت بالتاريخية للأعداد الهائلة التي حضرها من مسؤولين على رئسهم خليدة تومي التي أكدت أن ما تركه شريف خدام سيبقى خالدا ويصان في الذاكرة الجماعية، مع الحضور المميز لجلة الفنانين أمثال كريم ابرانيس، طالب طاهر، فريد فرقي، ايت منقلات وغيرهم بالإضافة إلى وجوه ثقافية وسياسية معروفة. و لم يتمكن غالبية القاصدين المنقطة من توديع شريف خدام بسبب الإقبال الكبير للمواطنين إلى مسقط رأسه الذين تجاوز عددهم 15 ألف مواطن. جمال عميروش
بورتري عن الفقيد خدم الفن الأصيل لأزيد من نصف قرن شريف خدام.. الفنان الذي حارب الجهوية وأسس لموسيقى عصرية في الجزائر يعد شريف خدام واحدا من أبرز الشخصيات الوطنية في الجزائر، فهو عميد الاغنية القبائلية، كما أنه من بين المؤسيسن للفن الأصيل في الجزائر بعد الاستقلال. ابن قرية بومسعود بأعالي امسوحال بدائرة عين الحمام، في ولاية تيزي وزو. من مواليد الفاتح جانفي من عام1927 عرف في طفولته بهدوئه وانضباطه وكذا حبه للعمل وأخلاقه العالية. كان قد خضع في أولى مراحله لتكوين في المدرسة القرانية وبعدها زاوية بوجليل التي أهلته أن يكون إماما، لكنه فضل الإبحار في عالم الموسيقى والفن، بعدما اكتشف ميوله في هذا الجانب. شريف خدام أب لأربعة أطفال، كان قد رحل إلى باريس عام 1947 ليوسع موهبته هناك إلى غاية عام 1955 حيث سجل أولى اسطواناته هناك بعنوان ”يليس تمورثيو” المراد منه بنت بلادي، التي حقق بها نجاحا كبيرا في الغربة لما تتناوله من حقائق حية عن الوطن الجزائر والحياة اليومية لسكانها، ما أهلّه أن يصدر إنتاجا آخر عام 1958م يضم ثلاث أغاني. وكان شريف خدام قد تأثر خلال هذه المرحلة بالغربة، على غرار الفنانين الذين سبقوه إلى المهجر، حيث جسد الواقع المرير الذي يلاحق الجزائرين هناك في أغانيه من خلال تركيزه على معاناتهم، كما غنى عن الحب والوطن والمجتمع الجزائري، وأعطى للمرأة حقها في أغانيه بعدما أعطاها حقها من الاهتمام، فهو الذي جعلها الأم والأخت والبنت. ولعل ما انفرد به الفنان الكبير شريف خدام في حياته هو وطنيته العالية، حيث أصدر في هذا المقام أغنيته الشهيرة ”الجزاير انشالاه اسحلوا” أوالجزائر إن شاء الله ستشفين، التي عرفت رواجا كبيرا وزادته شهرة داخل وخارج الوطن. وقد واصل شريف خدام مشواره الفني بنجاح إلى غاية دخوله الإذاعة الوطنية، وبالضبط القناة الثانية الناطقة باللغة الأمازيغية، سنة 1963، أين كان يدير الحصة الشهيرة ”أشرف ايفناين أوزكا” بمعنى فنانو الغد، أين اكتشف مواهب لامعة في الفن الجزائري الأصيل، على غرار الفنان لونيس آيت منڤلات وإدير، هذا الاخير الذي يعد سفير الأغنية القبائلية في المهجر، إلى جانب فنانين مغتربين آخرين، أمثال مليكة دومران والفنانة القديرة نوارة التي أصبحت فيما بعد زوجته، والتي أدى معها عدة أغاني من تأليفه وتلحينه الخاص. ولم يتوقف عطاء شريف خدام في حياته عند هذا الحد، وبكونه سفير للفن الجزائري الاصيل قدم مزيجا سنفونيا بين الأم، الغربة، وحرب التحرير. كما ألف قطعا موسيقية لإذاعة باريس لديوان الإذاعة والتلفزيون الفرنسي. كما أن عميد الأغنية القبائلية شريف خدام كما تتلمذ على شيخه وأستاذه الأول الموسيقار محمد الجاموسي الذي لقنه أبجديات الفن الاصيل وعمره لم يتجاوز21 سنة، متنقلا بين مقاهي باريس تار ة وتارة أخرى بين مصنع للحديد وشركة للدهن، التي يعمل فيها شريف خدام الوطني الغيور والحكيم الذي كان نجما ساطعا ومعلما جامعا خلال حياته اليومية عامة والفنية خاصة، فهو الرجل الشهم الذي لم يتنكر يوما لوطنيته وجزائريته رغم سنوات الغربة التي قضاها وراء البحر بفرنسا، أين زادت شهرته بأغنيته ”دزاير نثمورث” ومعناه الجزائر وطني، والتي لقيت نجاحا باهرا في الجزائر، ومازالت مسموعة إلى الآن وتتم اذاعتها في الإذاعة والتلفزيون الجزائري في كل مناسبة رسمية. وقد كان الفقيد أول من أسس للحداثة في الموسيقى الجزائرية، من خلال إدخاله آلات موسيقية حديثة على الأغنية القبائلية التي مزج فيها بين التراث والحداثة. كما أن ولوجه عالم الفن كان صدفة، إلا أنه مع مرور الوقت تمكن من ترك بصماته في عالم الموسيقي الجزائرية والعالمية، ولم يكن يوما يعرف أنه سيلج هذا العالم الفسيح الذي منح له الشهرة التي كسبها بفعل احترافيته وكذا كونه أول من كشف حقيقة الفن في فرنسا في الوقت الذي طغت الأفلام المصرية على الساحة، ليعيد الاعتبار للانتاج الجزائري الأصيل رفقة ثلة من الفنانين الكبار، أمثال الراحل سليمان عازم، علاوة زروقي، وغيرهم. وإثر هذا المصاب الجلل تودع الجزائر أحد أبنائها البواسل عميد الاغنية القبائلية، شريف خدام، الذي وري الثرى أمس الجمعة بمسقط رأسه بقرية آث بومسعود بأعالي عين الحمام، في تيزي وزو، بعدما وافته المنية عن عمر ناهز 85 سنة، بعد صراعه مع المرض، حيث كان يخضع للتصفية الاصطناعية على مستوى الكلى منذ 6 سنوات، إلى أن تم تحويله في أوت2011 إلى باريس، حيث لفظ أنفاسه الاخيرة فيها. جمال عميروش
قالوا عن رحيل الفنان.. الفنانة نوارة اعتبرت الفنانة القديرة، نوارة، رحيل شريف خدام، خسارة كبيرة على الجيل الحالي والقادم، فهو الذي كان أبا للجميع بتواضعه وحبه للغير، عرفته مباشرة بعد عودته من فرنسا عام1963 عندما كان بالقناة الثانية للإذاعة الجزائرية، أين اختارني لأكون ضمن جوق الإذاعة الوطنية بقيادة معمر عماري. الميزة التي سجلتها في حياة الراحل شريف خدام هي أخلاقه العالية وطبعه الهادئ. بوجمعة العنقيس اعتبر الفنان بوجمعة العنقيس، شريف خدام، من الفنانين القلائل الذين درسوا أصول الموسيقي الجزائرية، بل هو أول من أسس لعلم الحداثة في الموسيقى الامازيغية، والتي أعطاها بعدها العالمي، والتي لقنها للفنان إيدير فيما بعد. كما أن شريف خدام معروف بصرامته في العمل وحبه لدى جميع الفنانين من الجيلين، ولم ألتق به كونه ينشط أغلب حفلاته في فرنسا لكنه يبقى رغم كل هذا جزائريا بوطنيته. الحسناوي امشطوح وفاة شريف خدام أثرت في نفسي فهو الرجل الباسل الذي كان مهمشا في حياته، و رحيله أذهب جزءا من كياني، فرحيله يشبه بكثير قصة خليفي أحمد الذي يعاني في صمت، وآخرون من هؤلاء الذين طالهم النسيان في حياتهم وتبعهم إلى بعد مماتهم. معرفتي بشريف خدام كانت في منتصف السبعينيات، عندما دعاني إلى حصته الشهيرة فنانو الغد. آخر مرة التقيت به كانت في 2003 بباريس في إطار”سنة الجزائر في فرنسا” أين تم تكريمه بالمناسبة. بوعلام شاكر شريف خدام عالمي في شخصه، فهو الرجل الذي ابكته الجزائر برحيله الذي يعد خسارة لنا كفنانين وللثقافة الوطنية عموما. الراحل كان وطنيا بطبعه وعالميا بأدائه الموسيقي. تعرفت عليه في حصته المشهورة ”افنان اوزكا” التي أظهرت إلى الساحة خيرة الفنانين اليوم أمثال آيت منڤلات، إيدير، مليكة دومران، وآخرون، لتزداد معرفتي به خلال ترأسه جوق الإذاعة الوطنية. ما أثار انتباهي لدى شريف خدام هواهتمامه بالمواهب الشابة وصقلها بل حتى متابعتها ميدانيا. محمد علاوة بدوره صاحب رائعة ”افافا الشيخ”، محمد علاوة، بكى كثيرا على فقدان عميد الأغنية القبائلية شريف خدام، وقال إن رحيله خسارة أخرى تضاف إلى السجل الثقافي في الجزائر، مؤكدا أنه ورغم وفاته يبقى خالدا في نفوس الجزائرين لأعماله القيمة، فهو الذي ترك إرثا ثقافيا ثريا بل خدم الأغنية القبائلية والجزائرية عامة بكل جوارحه، ونحن الشبان علينا اليوم أخذ مشعل الراحل والاعتراف بعطائه الفني الذي سيكون مدرسة للأجيال القادمة. كريم أبرانيس شرف خدام واصل مشواره بكل صدق وأمان رغم المرض، فهو صاحب الفن الأصيل. رحيله عنا خسارة كبيرة، لكن تبقى روحه حاضرة كل يوم في قلوبنا وصورته لا تمحى من أذهاننا، اسمه سيقى خالدا في تاريخ الفن الجزائري. مليكة دومران من جهتها الفنانة المغتربة مليكة دومران، قالت إنني استقبلت، حيث تواجد بفرنسا، خبر وفاة عميد الأغنية القبائلية شريف خدام برعشة كبيرة، فهو الذي أهلني لأكون فنانة بمعنى الكلمة عندما مررت في حصته الشهيرة ”فنانو الغد” خلال سنوات السبعينيات، فقد أهداني من علمه الكثير في مجال الموسيقى والأغنية القابئلية، ورغم رحيله إلا أن اسمه يبقى منقوشا بأحرف من ذهب بعد نصف قرن قضاها في خدمة الاغنية الهادفة الملتزمة، كما يعد أول من أسس لنظام العصرنة في الموسيقى القبائلية. وأول لقاء مع شريف خدام عندما كان في الثانوية ونحن بصدد إدراج مجموعة صوتية بثانوية فاطمة نسومر، وعمري 14 سنة، حيث كان متواجدا هناك رفقة عبد اللطيف، فهو يقدر الفن ويحترم الفنانين. تاكفاريناس بدوره الفنان المغترب، تاكفاريناس، قال إن رحيل شريف خدام خسارة جديدة للوطن الأم، بعد 50 سنة قضاها في خدمة الفن النبيل والأصيل. وقال تاكفاريناس إن الراحل خدم الموسيقى القبائلية بكل جوارحه، كما أحب الفن من قلبه، وأدعو جيل اليوم إلى حمل مشعل الفقيد والحفاظ على ما تركه من إرث لأنه إن رحل عنا جسدا فإن روحه ماتزال تسكن في بيت كل جزائري، وكنت قد لاحظت في حفله الأخير بفرنسا مظاهر التعب والمرض عليه، ولم أكن أعرف أنها آخر مرة سيلتقي فيها بجمهوره.