الزيارة الشرعية إنّما يقصد بها تذكير الحي بالآخرة، حيث يرى الأموات ويرى هذه القبور التي لا يدري هل هي رياض من رياض الجنة أو حفر من حفر النار فيتّعظ بذلك، وليس المقصود بها وصول نفع إلى الميت أيًّا كان؛ فالميت لا يصل إليه أي نفع من الزيارة بل إنما يصل إليه الدعاء، والدعاء في أي مكان كنت يصل إليه. وليس من آداب الزيارة تسمية أسماء الموتى، ولا حرج في تذكّر أسمائهم لزيادة الموعظة، فلا شك أن من تعرفه وتذكر حاله أبلغ موعظة ممن لا تعرفه. وزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم للموتى كانت أن يقف أمامهم أو عند رؤوسهم فيقول: ”السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون أمن الله روعتكم وآنس وحشتكم واجعل الجنة موعدا بيننا وبينكم يرحم الله المتقدمين منّا والمستأخرين.. اللّهم ربّ هذه الأجساد البالية والعظام النّخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أنزل عليها روحا منك وسلاما منا” أو ”السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمسلمات نسأل الله لنا ولكم العافية” وينصرف. وفائدة ذلك على الإنسان هي أن يتذكّر الآخرة كما ذكرنا وذلك في ثلاث مراتب: المرتبة الأولى : أن يتذكّر حال الميت فهو الآن إمّا في روضة من رياض الجنة أو في حفرة من حفر النار وقد أتاه ما يوعد؛ ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يقول في زيارته: ”أتاكم ما توعدون” فيتذكّر أنه قد أتاه ما يوعد وأيقن ورأى ما رآه عين اليقين، ويتذكّر حاله وقد كان حريصا محيطا لكل أموره بالسرية والكتمان، وقد أصبح الناس يتصرفون في ماله وفي أملاكه وحتى في ملابسه التي كان يلبسها، وأصبحت مفاتيحه عند أقوام آخرين؛ فهذا سبب للموعظة. وكذلك من كان جبانا لا يصبر على الوحدة، فقد أصبح في هذه الحفرة الموحشة وأصبح مع الموتى الذين هم أسارى ذنوب لا ينفكون وأهل قرب لا يتزاورون، وكذلك من كان لا يتحمّل الحر الشديد ولا الظلام قد خلا بين الجنادل والتراب في هذه الحفرة المظلمة الوحشة. المرتبة الثانية : أن يتذكّر الإنسان حال أهله بعده فقد كانوا ينظرون إليه على أنه العائل لهم والمدبّر لأمورهم وهو المنفق عليهم في كل أحوالهم، وقد انتقل عنهم وكأن شيئا لم يحصل؛ ما زالت نفقاتهم سائرة، وما زالت أنفاسهم تصعد وترجع، وما زالت أرزاقهم كما كانت. ومن هنا يعلم أن الله سبحانه وتعالى هو المدبّر الحي القيوم، وأن ما سواه زائل. المرتبة الثالثة : أن يتذكّر الإنسان أن أفضل أحواله وأحسنها أن يموت بين المسلمين فيغسل ويصلى عليه ويُحمل إلى المقبرة فيُدفن مثل حال هؤلاء. فيعلم أنه لا بد أن يقف عليه أيضا زائر بعد هذا فيرى قبره مثل ما رأى هو قبور السالفين. والله أعلم.