عزف الكثير من الموطنين عن الاستعانة باليد العاملة المحلية في مجال البناء، بعدما اكتشفوا البديل الذي يقدم خدمات محترفة في فترة قصيرة وبأسعار معقولة. يتعلق الأمر بالعمالة الصينية التي بعدما أثبتت وجودها بجدارة في ورشات البناء أقنعت المواطنين والخواص بالاعتماد عليها، هروبا مما أسموه “تطلب” البنّاء المحلي. يعتبر قطاع البناء البوابة الرئيسية التي أدخلت العمالة الصينية للأسواق الجزائرية، قبل أن يحتكروا مهن البناء ويتوسعوا من ورشات البناء التابعة للمؤسسات الصينية إلى ورشات بناء المقاولين الجزائريين وحتى مواقع بناء منازل الخواص، الذين كان إقبالهم لافتا في الفترة الأخيرة على هؤلاء العمال بعدما تناقلوا بين بعضهم البعض المزايا التي يتسم بها عمل “الشناوة”. استهتار العامل المحلي أحاله على نهاية الخدمة استنكر الكثير من المواطنين التصرفات الصادرة عن بعض البنائين الجزائريين الذين، بالإضافة لخبرتهم المحدودة في المجال، يشترطون أمورا غير منطقية لدى تنقلهم للاشتغال في أحد البيوت. ورغم أن الأعمال تكون هينة فهم يقضون فيها فترة طويلة، هو ما لمسته “الفجر” من خلال احتكاكها ببعض المواطنين الذين عايشوا مثل هذه المواقف، على غرار الآنسة سليمة، التي استقدمت بناء من أجل إعادة تهيئة المرحاض والحمام وإعادة البلاط الأرضي والحائطي، لقاء تقاضيه لمبلغ يتجاوز ثلاثين ألف دج، إلا أنها عانت الأمرّين فقد كانت تضطر لتحضير وجبة الغداء له بعدما اشترط ذلك منذ استلامه للعمل. وعلاوة على ذلك فقد أجل موعد عمله لثلاثة أيام دون إعلام مسبق لها، ما جعله يتأخر في تسليم عمله، فبدلا من إتمامه في أربعة ايام استغرق عشرة، كل ذلك من أجل عمل لم يرق لها البتة. وفي المقابل أثنت صديقتها منى على العمل الذي قام به العامل الصيني الذي استقدمه والدها من أجل تغيير أرضية المنزل ووضع بعض التعديلات على منزلهم، والذي لم يستغرق فيه مدة طويلة رغم أن دوامه كان مسائيا فقط. الانضباط والإتقان يثقلان كفة “الشنوي” كثر الحديث في أوساط الشارع الجزائري، في الفترة الأخيرة، عن براعة اليد العاملة الصينية في ورشات البناء التابعة للخواص كأفراد أو مقاولين خواص، وسط استحسان الزبائن، والسبب يعود إلى سرعة الإنجاز ونوعية العمل، بالإضافة إلى الانضباط في أوقات العمل ومواعيد التسليم.. هي جملة من المحاسن التي سردها على مسامعنا بعض المواطنين الذين اعتنقوا العمالة الصينية، على غرار السيد حكيم، الذي استعان بثلاثة عمال صينيين من أجل بناء بيت خاص له، حيث لم يلاق أي صعوبات في التعامل معهم، مثنيا بذلك عليهم حتى فيما يخص السلوك فهم لم يطلبوا سوى مواد البناء التي اتفقوا عليها، مستحسنا الدقة في تقديرهم لكمية المواد والسلع اللازمة، والتي وفرت عليه مصاريف زائدة - على حد قوله - كان سيروحها عليه العمال الجزائريون وفقا لمغالاتهم في كمية السلع والتي وقع ضحيتها في مرات سابقة، جعلته يغير اختياراته هذه المرة. وفي سياق متصل، كشف لنا مواطن آخر أنه اضطر منذ سنة للقيام ببعض الترميمات في مسكنه، فجلب بناء جزائريا حدد له تكلفة الأشغال ب 50 ألف دج، وهو مبلغ خيالي على حد تعبير المتحدث، قبل أن يجلب له جاره عاملا صينيا كان يشتغل في منزله، والمفاجأة كانت أن العامل الصيني طلب نظير أتعابه 20 ألف دج فقط للقيام بنفس الأشغال، بشرط ألا يأتي إلى المنزل إلا بعد الساعة السادسة مساء، وهو ما قبله المتحدث. وزادت حيرة المتحدث عندما حدد العامل فترة الأشغال في أقل من أسبوع، في الوقت الذي كانت محددة مع العامل الجزائري في 15يوما. هي ميزة أخرى تطبع العمل الصيني، يتعلق الأمر بتلك الأجور الزهيدة التي يطلبونها مقارنة بطلبات اليد العاملة الجزائرية التي تنقصها الخبرة في مجال مهن البناء. سمعة العمال الصينيين جعلتهم يلهبون الأسعار.. من جهة أخرى حدثنا بعض المواطنين عن ارتفاع محسوس في الأجر الذي يتقاضاه العامل الصيني مؤخرا، وأرجعوه الى الطلب المتزايد على عملهم والنجاح الباهر الذي أثبتوه في إتقانهم. وعن هذا الموضوع يقول السيد عزوز:”لن ننكر رغبتنا في دفع مبالغ زهيدة إلا أن العمل الذي يقدموه لا غبار عليه، ولن أتوانى عن الدفع أكثر في سبيل الإتقان والجودة في العمل”. هي جملة من المتغيرات التي اتحدت مع قلة إقبال الشباب الجزائري على هذه المهنة، لتعزز وجود اليد العاملة الصينية في السوق الجزائرية، فاتحة بذلك المجال أمام انعكاسات وتغيرات على الصعيد الاقتصادي وحتى الاجتماعي.