يتجاوز عددهم ال10 آلاف مهني في الترصيص الصحي، أو ما يعرف ب''البلومبي''، يصفهم الكثيرون ب''أطباء الأنابيب''، لكن العثور عليهم وقت الحاجة يتحول إلى مهمة شبه مستحلية للمواطن. وتبقى مهنة ''البلومبي'' الأكثر تعبا وإرهاقا وخطرا في الوقت نفسه، من أجل الحصول على أجر زهيد وتقاعد غير مضمون، في الوقت الذي ينفر منها الشباب. وتبقى محنة المهنة في ''حبها'' وتوارثها داخل نفس العائلة. ويجمع مهنيو الترصيص الصحي على أن حلمهم بالتقاعد والعيش الكريم، من خلال قانون أساسي لهم، قد لا يتحقق. من بيت رئيس الجمهورية إلى عامل النظافة ''البلومبي''.. كاتم أسرار بيوت المسؤولين يرى أغلبية عمال الترصيص الصحي بأن مهنتهم لا تشبه أي مهنة في الجزائر، فهم لا أطباء ولا بناؤون، بل هم حرفيون يتدخلون في كل ما تعلق بالأنابيب والتوصيلات الصحية، ويموت عدد منهم سنويا بسبب مخاطر المهنة وتعاملهم مع توصيلات هشة تهدد حياتهم في أية لحظة. كانت الصدمة كبيرة لعمال الترصيص، الشهر الفارط، عندما لقي زميل لهم، يبلغ من العمر 28 سنة ببلدية سيدي عقبة ببسكرة، حتفه بصعقة كهربائية، حين كان يقوم ببعض الأشغال بحي زغدان، مستعملا التيار الكهربائي، ورغم محاولة إسعافه وتحويله من طرف من كان معه بالمرآب إلى القطاع الصحي بذات البلدية، إلا أنه فارق الحياة. ويقول عامل الترصيص ''محمد'' ل''الخبر'' بأن عمله في المجال منذ عشرين سنة، لم يضمن له بعد إمكانية الحصول على مسكن، ولا على عيش كريم، ويصف وضعه المعيشي فيقول ''أنا أخرج يوميا إلى السوق، مثقلا بلوازم العمل، وأنتظر أن يطل عليّ من هو بحاجة لتصليح المدفئة أو توصيلات الحمام والمطبخ، وقد لا يحصل ذلك، وأعود إلى المنزل كما خرجت''. من جهته، يعتبر ''سليم'' مهنة الترصيص الصحي، المهنة الوحيدة في الجزائر التي لا تزال حكرا على الرجل، ويتنفس الصعداء قائلا: ''الحمد لله المرأة تزاحم الرجل في كل المجالات، وعلى قلة الدخل، لا أرغب في أن تزاحمني المرأة في عملي''. ويعتبر سليم البالغ من العمر 36 عاما، بأنه قد لا يتزوج إلا بعد الأربعين، مضيفا: ''أنا أجمع المال من أجل تأجير منزل للزواج منذ سنوات، لكنني لم أستطع فعل ذلك، فأنا عقدت القران منذ 4 سنوات ولم أتمكن بعد من إقامة حفل الزفاف''. ولا تختلف وضعية عمال الترصيص عن بعضهم البعض، على الرغم من أنهم مطلوبون للعمل ليل نهار، ويدخلون منزل رئيس الجمهورية والجنرال وصولا إلى عامل النظافة والبطال. ويقول مسعود البالغ من العمر 60 عاما: ''لا أزال أمارس عملي إلى اليوم، وكتمت أسرار الآلاف من العائلات والمسؤولين الذين لا يجدون غيرنا للحديث عن مشاكل الجزائر''. ويضيف المتحدث الذي لا تبدو على ملامحه سنوات عمره ''دخلت منزل الرئيس أحمد بن بلة ومسؤولين كبار، وتحدثوا معي عن أمور السياسة لكني أكتمها إلى الآن''. ويصف عمال الترصيص الصحي مهنتهم بالمتعبة والخطرة، فهم ''أطباء الأنابيب'' والذين يتنقلون بأنفسهم إلى الزبون، وليس العكس، ويصعدون السلالم ولو كان المنزل في الطابق العشرين، ومع هذا يتحصلون على أجر قليل، ولو وصفه المواطن بأنه مقبول وامتنع عدد منهم عن تسديد الأجر؟ ويحلم هؤلاء بالتقاعد والقانون الأساسي الذي يمكنهم من العيش الكريم. شاهد من أهلها رئيس مكتب ولاية الجزائر لفيدرالية الترصيص الصحي يايسي رضا ''الصينيون والأتراك يهددون ''البلومبي'' الجزائري'' يرى رئيس المكتب الولائي بالعاصمة لفيدرالية الترصيص الصحي، يايسي رضا، بأن النواة الأولى لتأسيس نقابة انطلقت من العاصمة، مضيفا بأن عامل الترصيص الصحي أًصبح مهمشا ومهددا بالبطالة، بسبب استقدام اليد العاملة الأجنبية من الصين وتركيا، التي تنافس الجزائريين في ورشات البناء. ماذا يمكن أن نقول عن مهنة الترصيص؟ محنة عامل الترصيص في مهنته، لأن عددا كبيرا منهم غير مؤمن اجتماعيا، ويعمل بعيدا عن أي هيئة تمكنه من الحصول على حقوقه وتوفير الكفاءة والشهادة اللازمة لتأهيله، ولهذا فكرنا طويلا في تأسيس نقابة تهتم بمشاكل عمال الترصيص الصحي، وأسسنا المكتب الولائي لفيدرالية الترصيص الصحي المنضوية تحت لواء الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، والتي نهدف من خلالها لمساعدة المهنيين على التكوين والحصول على مشاريع. ما الذي يمكن القيام به مع هذا التنظيم الجديد؟ إن العمل يجري حاليا لتكوين فرع على مستوى كل بلديات العاصمة، بعد عقد المجلس الوطني الذي سيضم عمال الترصيص عبر الوطن، لتأسيس الفيدرالية الوطنية، ولهذا نريد أن يكون لنا قانون أساسي لنعمل في نظام بعيدا عن الفوضى والإهانة والمستقبل المجهول. هل المهنة مهددة بسبب شركات أجنبية تنشط في الجزائر، أم لا؟ أنا أعمل في الترصيص الصحي منذ سن ال17، وورثت الحرفة عن عائلتي، لكن المهنة مهددة حاليا بسبب استقدام اليد العاملة الأجنبية من الصين وتركيا تحديدا. كما أن عامل الترصيص يعمل ليل نهار ويتدخل في كل ما يتعلق بالأنابيب، لكنه يحرم من الحصول على المشاريع الخاصة بتجديد شبكات التوصيل في المؤسسات. هل تعطى لعمال الترصيص أهمية في الجزائر؟ ينبغي، اليوم، أن يمنح عامل الترصيص الأهمية التي يجب أن يحظى بها، لحمايته وتعريفه بحقوقه، حتى يضمن لنفسه حياة كريمة، خصوصا أن المهنة تطورت في كل البلدان، ويجب أن يتحقق ذلك في الجزائر، ليتم إنشاء شركات بأتم معنى الكلمة. كما أن أغلب الذين يمارسون المهنة في العاصمة، وعددهم مجهول، لا يملكون أي بطاقة حرفي، كما لا يحملون شهادة كفاءة، ونحن نرافقهم من أجل الحصول عليها، من خلال الوقوف على مدى قدرتهم على التحكم في العمل. ويبلغ عدد المنخرطين 700 عامل في الجزائر العاصمة لوحدها. الهاتف النقال الصديق العدو ل''البلومبي'' سهّل الهاتف النقال كثيرا مهمة وعمل المختص في الترصيص الصحي، حيث أصبح ملازمه وصديقه الوفي، لأن أغلب طلبات الخدمة والعمل تتم عبر الهاتف، من دون عناء الانتظار في الأسواق والأماكن التي تعم بالمارة، كما في السابق. لكن أغلب عمال الترصيص يعتبرون ''الهاتف النقال'' أيضا ''عدوا لهم لأنه يرنّ في أي وقت، خصوصا أن تسربات المياه والغاز وأي مشكل يقع بشكل فجائي، ما يجعلهم في حالة تأهب ليل نهار. كما أن أغلب المهنيين الناشئين، تمكنوا من فرض أنفسهم بوضع إعلانات تقديم الخدمة عبر الصحف، مع تزويد الإعلان برقم الهاتف. بورتري يتحدث انطلاقا من تجربة عمرها 17 سنة في الترصيص عميروش يايسي: ''غياب التكوين أساء للمهنة'' يبلغ من العمر 51 عاما، قضى منها 17 عاما في الترصيص، هو السيد عميروش يايسي، الذي لم يكن يدري يوما بأن ممارسته لهذه الحرفة ستجعله يتعلق بها، وتتحول إلى مصدر رزقه إلى اليوم. ويرى بأن غياب التكوين المناسب للشباب في مجال الترصيص يسبب الكثير من المشاكل ويسيء للمهنة. لا يتحدث السيد عميروش عن المهنة بسطحية، لأن تجاعيد الزمن رسمت على محياه، وقار الشخص الذي يدخل كل البيوت ويكتم الأسرار. ويقول ''عمل الترصيص الصحي كان في السابق مجرد حرفة، لكنه اليوم تحوّل إلى مهنة وصناعة''. ويرى المتحدث بأن ''دخوله الحرفة كان بالصدفة، لأنه تعلمها من أحد أقاربه، لكنها اليوم أصبحت مصدر رزقه''. وتابع ''لا أتمنى أن يكون أبنائي من ممارسي هذه المهنة، وأتمنى لهم مستقبلا أفضل وأن يكونوا في مجالات أخرى''. وينفي المتحدث أن يكون عمل الترصيص الصحي مربحا كما يظن غالبية الناس، حيث يقول ''أنا أتقاضى ما بين 1000 و3000 دينار مثلا عن عملي ليوم أو يومين، وقد لا أعمل طيلة الأسبوع، فأنا أقل دخلا من العامل بأجر شهري''. ويعترف السيد عميروش بأن المقولة التي تداولها الناس ''تجد طبيبا ولا تجد عامل ترصيص صحي'' قريبة جدا للواقع، لكنه يضيف ''نحن نعمل مع كل الناس وأسرارهم نكتمها''. وفيما يتعلق بالجيل الجديد من عمال الترصيص المتخرجون من معاهد التكوين المهني والتمهين، فينتقد طريقة تكوينهم، خصوصا أن البعض لا يتعلم بالطريقة الصحيحة أثناء تربصه التطبيقي، وهو ما يسبب مشاكل كثيرة فيما بعد ويسيء للمحترفين في المجال، وأمام هذا يدعو وزارة التكوين المهني والتمهين للعناية التامة بالتربص الميداني لأنه أساس تعلم المهنة وإتقانها. ويختم المتحدث حديثه عن مساره في المهنة التي لايزال متمسكا بها ''نحن كالفنان نضيء كالشمعة على غيرنا ونذوب في صمت''. 5 شروط لتكون عامل ترصيص ؟ الحصول على شهادة في مركز تكوين مهني متخصص. ؟ حب مهنة الترصيص الصحي. ؟ التعامل مع كل المخاطر بدقة. ؟ إمكانية التنقل إلى مكان العمل أينما كان. التمتع بنظر جيد.