اعتبرت الكثير من القراءات الصحفية ما قام به سعيد سعدي بتخليه عن رئاسة الحزب، أنه موقف شجاع وديمقراطي، بل أنه درس في الديمقراطية، لكن الحقيقة أن سعدي لو لم ينسحب من زعامة الأرسيدي، لربما تعرض حزبه لهزات قد تعجل بحله، خاصة وأن إعلان سعدي عن عدم المشاركة في التشريعيات المقبلة وتهديده بوقف العمل داخل الحزب واستغلال الشارع كوسيلة نضال، وهو ما يتنافى والعمل الحزبي، كون الحزب الإطار الديمقراطي الأمثل للنضال، وهو ما لم يعد يتوفر في الأرسيدي الذي كان في السنوات الأولى للتعددية قلعة من قلاع الديمقراطية، لكن الخناق بدأ يشتد على قدماء مناضليه لما استفرد زعيمه بالقرار داخله، وهمشت الكثير من الأفكار. وبعودة جبهة القوى الاشتراكية القوية إلى الساحة وانخراطها في سياسة وطنية باتخاذها قرار المشاركة في التشريعيات المقبلة، أحس مناضلو الأرسيدي بخطورة الموقف المتخذ من التشريعيات، وهو ما يشكل تهديدا لقاعدة الحزب التي لم تعد تتفهم منطق المقاطعة الذي دعا إليه سعيد سعدي، فما جدوى الانخراط والنضال داخل حزب يقرر في كل مرة المقاطعة، وإذا لم يتح لمناضليه المعارضة في إطار منظم وقانوني أو المشاركة في الحكم إذا ما واتته الفرصة لذلك وربما لهذا السبب انسحب سعدي مكرها من رئاسة الأرسيدي، فهو لو لم يفعل لذهب هذا التنظيم إلى المتحف، وخسر مناضليه لصالح غريمه السياسي الأفافاس. لن يكون من السهل للأمين العام الجديد، محسن بلعباس، أن يملأ الفراغ الذي خلفه سعيد سعدي، فالأرسيدي كان طوال تاريخه مرادفا للرجل، وكانت مواقف الحزب السياسية امتدادا للحالة النفسية التي يكون عليها سعدي أكثر منها قرارات نابعة عن إجماع سياسي داخلي أو مدروسة ومناقشة بعمق من قبل مناضليه، لكن الأمر ليس مستحيلا، فخليفة سعدي شاب ناضل وترعرع في أحضان سعدي، ولا أخاله يلغي رصيد الرجل وبصماته داخل التنظيم، لكن الأكيد أنه سيكسر الجمود الذي فرضه سعدي على الحزب ومناضليه، ومن يدري قد يقرر المشاركة في التشريعيات المقبلة ويجنب الحزب الذهاب الى المتحف أو الانفجار، لكن هذا لن يكون ممكنا إذا ما استمرت إدارة الأرسيدي الجديدة في ممارسة سياسة الإقصاء التي كانت متبعة من قبل سلفه، وإذا لم ينخرط في سياسة وطنية تخرج بالتنظيم من طابعه الجهوي الذي جعل منه حزبا لمنطقة القبائل وكان بإمكانه أن يكون البديل الديمقراطي الأقوى وطنيا.