بيوت تخرب وعلاقات اجتماعية تقطع بسبب روايات وقصص يؤلفها الأطفال عن أحداث عائلية، وروايات عن مسائل شخصية يتسلون بإعادة سرد وقائعها على مسامع الجميع، وحتى إن كان بعض تلك الحكايات حقيقيا فإن الكثير منها من تأليف الطفل ونسج خياله. يملكون خيالا واسعا وقدرات خارقة في التأليف، يتخيلون قصصا ويصدقونها ويروونها للأهل على أنها حقيقية، يبوحون بأسرار بيوتهم وأمورهم العائلية للغرباء، مسببين بذلك مشاكل عائلية واجتماعية كثيرة، تصل إلى حد نشوب خلاف بين الزوجين والتفريق بينهما، لما لا وقد وجدوا آذانا صاغية تؤمن بما تجود به مخيلتهم. خيال الأبناء دافع للطلاق يدفع تصديق الآباء لروايات صغارهم إلى اتخاذ قرارات مصيرية بإنهاء العلاقة بين الزوجين بالكثير من التسرع، وفي ذات الصدد تروي لنا نسرين أنها كانت سببا في طلاق أمها، لما روت لوالدها أن هذه الأخيرة خلال العطلة الصيفية رافقت رجلا غريبا في سيارته إلى بيته، مضيفة أنه “لولا تدخل جدتها لتكذيب ما رويت له لما كان أرجعها، بالرغم من أن أمي لم تفعل شيئا من ذلك”، أما أسماء فقد أخبرتنا أمها أنها كادت تطلق بعد أن أخبرت والدها أن أمها تقوم باحتجازها في الحمام كل ليلة، وقبل أن يصدر حكما متسرعا، راقب والد أسماء زوجته لأيام ليكتشف أن روايات ابنته مجرد خيال لا أكثر. أعرف أسرارهم من صغارهم لما كان عالم الأطفال البريء خاليا من التناقضات، لا يجد الصغار عادة حرجا في رواية كل ما يرونه إذا سئلوا، مما دفع الجميع إلى الاستفادة من ذلك، فالزوجة تريد معرفة أسرار وتحركات زوجها، والأقارب يريدون أخبار العائلات ومستجداتها، والأصدقاء والجيران يتعرفون على أسرار البيوت من الصغار الذين ينقلون تحركات آبائهم بعفوية بسؤال الأطفال عن تحركات أمهم وأبيهم. إحدى الحموات تقول أنها ترصد تحركات كنتها من خلال سؤال أحفادها عن كل تفاصيل حياتهم في البيت، الأمر الذي تقول عنه إحدى الأمهات أنه أمر مشين يعلم الصغار كشف الأسرار، والحديث عن أمور خاصة لا ينبغي الإفصاح عنها. ومن جهة أخرى تقول “فايزة” أنها تشاجرت مع جاراتها لما اكتشفت أنهن يحاولن استدراج ابنتها في الحديث لتروي لهم ما يحدث في بيتها، معتبرة الأمر قلة أدب فيه الكثير من الدناءة التي يتعلمها الصغير. و... مشاكل عديدة بسبب تصديقهم يصدق في العادة البالغون أقاويل الصغار بكل حيثياتها، اعتقادا منهم أن براءة هؤلاء تحول دون التلفيق والتزييف، غير أن هذا الوضع يربك الكثير من الأهل خاصة الأمهات اللاتي يتعرضن للإحراج بسبب ذلك، الأمر الذي أشارت إليه “سميرة” قائلة: “تحذير الطفل من عدم البوح يعطي على الأغلب نتائج معاكسة”، مضيفة: “ابني يحرجني حين يسمعني أتحدث عن أحد أفراد العائلة، فلا يتوان عن قص ما سمعه لهم، لأضطر كل مرة إلى التبرير وإزالة سوء التفاهم”. ومن جهتها تضيف حسيبة أن ابنتها التي لم تبلغ السادسة من عمرها، تتذكر أي حديث يدور أمامها لتعيده على مسامع الجميع، مضيفة أحداثا تتخيلها، مسببة لها الكثير من المشاكل مع عائلة زوجها مما يزيد من حجم الحساسيات بينهم. الفراغ يدفع الطفل لتأليف القصص يؤكد المختصون في علم النفس أن تأليف الطفل للقصص أمر طبيعي جدا، الأمر الذي أكدته الدكتورة نسيمة ميغري قائلة: “الطفل الذي لا تروى له القصص بالقدر الكافي، يسعى لتأليف أخرى من نسج خياله حتى تكمل له تفاصيل عالمه الخاص الذي يرسم معالمه منها”، مضيفة أن “الصغار يملكون من الخيال ما يجعلهم يميلون إلى إضافة أحداث ربما تكون بعيدة عن الواقع، تؤدي إلى تشويه الحقائق”. من جهة أخرى، تقول الدكتورة نسيمة أن للقصص أهمية في بناء شخصية الطفل، إنها تعمل على تغذية خياله، وبناء شخصيته، لأنه يبدأ التمييز بين الخطأ والصواب من خلال الأحداث التي يتعرض لها بطل القصة والمواقف التي يتخذها خلالها، مؤكدة في ذات السياق أنه على الأولياء الحرص على اختيار القصة المناسبة، وكذا التوقف في كل مرة لشرح المواقف التي يمرون بها، وإلا سيلجأ الطفل إلى مخيلته ليروي بدوره قصصا حقيقية مليئة بالخيال.