الفاتحة على النت والمهر بمائة دينار والصدمة في صعيد مصر أخذهن بريق السفر، أو الدراما المصرية التي تنقل صورة خيالية عن العيش في مصر، "عربية مرسيدس" تستبدل ب"التكتك"، "شقة باسمك" في القاهرة تتحول لشبه بيت من الطوب، ومن "بحبك وأموت فيك" إلى محاولة القتل، تلك هي الوعود المعسولة التي انهارت أمامها عشرات الجزائريات، كن يعملن في شركات اقتصادية كبيرة فوجدن أنفسهن يشتغلن في "تجميع وحش البرسيم" في صعيد مصر.. * اختلفن في الكثير من القصص واجتمعن في كذب ونفاق الأزواج...قد يقول البعض من القراء إننا ألفنا وقد يقول البعض أن هذا من نسج الخيال لكننا نقول لهم هذا ما استطعنا نقله والباقي أدهى وأمر، وإن كان ما سمعناه يصلح للدراما بغض النظر عن اختلاف جنسيتها إلا أنها ستفوق الدراما التركية في الانتشار والتنوع... * "مدام ساعديني باش نرجع نموت في بلادي راني رايحة نموت" هذه الرسالة وصلت "مدام دليلة" كما يحلو للجالية مناداتها، من فتاة جزائرية حيث صادف وأن كنا في القنصلية، وحين سألناها عن سر الرسالة أجابت بأن الأمر أصبح عاديا للقنصلية كونها قصص تتكرر يوميا.. أخذنا إذنا منهم بالبقاء يوما كاملا معهم، لننقل مآسي فتيات جمعهن الحب بأزواج مصريين لكنهن لم يعلمن أن هذا الحب سينتهي وينتحر على أسوار الصعيد لسبب أو لآخر.. * * العمالة المصرية في الجزائر وراء المشكلة * أكدت القنصلية الجزائرية أن أكبر عدد من الزيجات التي تمت بين المصريين والجزائريات كانت من خلال العمال المصريين الذين يعملون في الشركات المختلفة بولايات الوطن، خاصة من الشرق والغرب الجزائريين وكذا بعض المناطق الداخلية، حيث تسجل السفارة يوميا هكذا نوع من الزيجات، أو بالأحرى حالات طلاق، لأن الزواج يتم سواء في الجزائر أو في بعض الدول المجاورة كليبيا وتونس، لكن قضية الطلاق تحل على مستوى القنصلية الجزائرية في القاهرة.. * * تدخلات بالشرطة المصرية لتحرير الرهينات * من بين أكبر العوائق والصعوبات التي تواجهها السفارة الجزائرية أثناء عملية تقديم يد العون للمرأة الجزائرية في مصر، هو في كيفية التدخل خلال استنجاد جزائرية بها، لإنقاذها من زوجها الذي يحتجزها أو من المكان الذي رميت فيه بعيدا عن كل سبل التواصل والاتصال، فقد أكد مصدر من القنصلية للشروق أن مشكلة الجزائر أنه ليس لديها اتفاقية ثنائية بينها وبين مصر، وكل ما هو موجود وكل التدخلات التي تتم تكون عبر المواثيق والاتفاقيات الدولية، ولهذه الأسباب تلجأ الجزائر، لأخذ ترخيص من الخارجية المصرية، وبعد انتظار رد وترخيص، وقيام هذه الأخيرة بالإجراءات اللازمة، يكون التدخل بالشرطة من قبل السفارة الجزائرية، وسبق وأن تدخلت السفارة الجزائرية بمصر في العشرات من الحالات المتشابهة في مناطق مختلفة من مصر، فمن نادية إلى أحلام إلى سمية وأخريات، أين تدخلت السفارة رفقة الشرطة المصرية لإنقاذهن من قبضة أزواجهن، خاصة اللواتي كن يقطن بريف مصر، على غرار الصعيد المصري، حيث أكدت السفارة أنها تفاجأت بالأماكن التي دخلتها، بيوت من الطوب، منازل في القرى البعيدة والنائية، حيث وصلت السفارة بصعوبة وأحيانا يتم الاعتداء على المتدخلين ولولا حماية الشرطة المصرية لهم لكانت الكارثة... * * الفاتحة تقرأ على الفيسبوك والعائلة ترسل ابنتها للمجهول * يبدو أن الفيسبوك لم يصبح فقط نعمة على الثورات العربية ومحركا للشعوب بل تحوّل أيضا لمدغدغ ومحرك للعواطف العواصف، بل حتى في اختصار الجغرافية العربية التي منحها المولى عز وجل للوطن العربي، فمن الغرائب التي اشتركت فيها عشرات الحالات من الزيجات بين جزائريات ومصريين، هو قراءة الفاتحة عبر الفيسبوك، وبمباركة عائلة الفتاة، تقول نوال التي تحدثت إليها الشروق، أنها تزوجت بهذه الطريقة، فوالد الفتاة سأل إمام عن مدى شرعية هذا الأمر، وأكد الإمام أنه يجوز له أن يقرأ الفاتحة مع زوجها، وفعلا تمت قراءة الفاتحة حيث جلس إمام جزائري وعائلة الفتاة أمام الكمبيوتر وكان في الجهة المقابلة الشاب رفقة الشهود على إحدى صفحات الفيسبوك، وتم إرسال الفتاة لخطيبها الذي يعد شرعا زوجا لها، تزوجا غير أن زواجهما لم يتم سوى أشهر، لأن الزوج كان "منافقا" حسب نوال، وحين سألناها عن هذا الحكم الذي أطلقته عليه، تقول إن الوالد وببراءته، سأله عن السكن فقال له الزوج إنه يملك بيتا في القاهرة، وسيارة، وأرسل له الصور عبر الفيسبوك، غير أنها اكتشفت أن الصور كانت لمنزل صديقه الذي أعاره البيت للزواج فيه، وكذا سيارة صديق آخر له، أخذ صورة بجانبها، وحين تزوجت به لم تكتشف فقط أن زوجها بدون سيارة ولا بيت، بل أنه متزوج ولديه أولاد..هذه الحالة اختلفت مع أخرى تحدثنا إليها فالإمام هذه المرة كان مصريا وليس جزائريا، واكتشفت أنه لم يكن إماما أصلا بل صديق لزوجها، خدع والدها بلباسه الأزهري، والشهود أيضا زملاء عمل، وصارحا زوجها بهذا يوم قال لها لم أعد أرغب فيك زوجة لي اذهبي لبلدك.. * * ...والدعاة يركبون الموجة * لم يكن الشباب المصري العادي والبسيط من أُخذ بحب الجزائريات، فقد أكدت القنصلية أن عددا من مشايخ ودعاة مصر تزوجوا بجزائريات، رغم فارق السن الكبير، حيث أكدت المصادر نفسها، أن عددا من فتيات الجزائر اللواتي قصدن السفارة من أجل اتخاذ إجراءات الزواج، كانت أعمارهن تتراوح بين ال18 والثلاثين سنة، غير أنهن جئن رفقة عرسانهن الذين يفوقون الخمسين، آخرهم كانت حالة فتاة قبائلية، ذات ال18 سنة، في عمر الزهور، قصدت السفارة من أجل إتمام إجراءات الزواج، بداعية معروف على قناة الناس، رفضت القنصلية تزويدنا باسمه، بحجة أنها أسرار لا يجب أن تخرج عن إطار القنصلية وإلا أصبحت تشهير بهم، وأكد مصدر من القنصلية، أن هذه الأخيرة حاولت أن تقف ضد هذا الزواج من خلال النصائح التي قدمتها للفتاة، خاصة وأن الظروف المعيشية في مصر غير التي تعودت عليها الفتاة في منطقة القبائل، وكذا اختلاف العادات والتقاليد، إضافة إلى أنها ستتزوج من داعية، وفوق كل هذا الفتاة هربت من بيت والدها، والعائلة تبحث عنها في كل مكان، وبعدما ضنت القنصلية أنها أقنعتها بالعودة للجزائر وأن السفارة ستسهل لها عملية الزواج من هذا الشيخ المشهور، خاصة بعدما تحدثت مع هذا الأخير وطلبت منه ألا يتزوجها حتى تتصرف السفارة وتحضر أسرة الفتاة، وكذا الحصول على موافقة الزوجة الأولى للشيخ، اكتشفت أن الفتاة تزوجت به عرفيا، وهي في شهر العسل بالأقصر المدينة السياحية، هذه الحالة ليست منعزلة بل سبقتها الكثير منها، لم نذكرها لأن تفاصيل قصصهم تشابهت ولم تختلف سوى في أسماء الشخصيات.. * * سمية..تزوجت مسلما زاهدا فوجدت ابنها مسيحيا * من القصص المأساوية التي سجلتها القنصلية كانت ل"سمية"، الفتاة الجزائرية، التي كانت تسكن بالغرب الجزائري رفقة عائلتها، تزوجت العام الماضي بشاب مصري يعمل في إحدى الشركات منذ سنوات، دخل بيت والدها في رمضان، حين رأى الوالد أنه من خوارم المروءة أن يكون شابا بعيدا عن أهله ويفطر في المطاعم، دعاه لقضاء رمضان معهم ولبى هذا المصري الدعوة، وخلال الشهر الفضيل كان الوالد سعيد أن الشاب الذي يصوم رمضان عنده لا يفرط في وقت صلاة، ويرفض أن يصلي الفجر في البيت بل يقصد المسجد يوميا، فأعجب الوالد بتدينه وبأدبه وأخلاقه، لهذه الأسباب لم يجد مانعا أبدا حين طلب يد ابنته، تقول سمية إن الوالد طلب بطاقة هوية الشاب فأخبره هذا الأخير بأن الشركة التي يعمل فيها رافضة لهذا الزواج وبطاقة هويته معها، وجد الوالد هذه الحجة مقنعة، خاصة وأن الشاب سلم لهم جواز سفره،..تم الزواج وجاءت سمية معه للقاهرة، وبعد عام من الزواج، نقل زوجها للعمل في السعودية، وبقيت هي في مصر على أساس أنها حين تضع مولودها تلتحق به، الفرحة لم تتم بل قتل مستقبلها يوم إنجاب ولدها..سألها الطبيب ماذا تسمين ابنك، فأجابت محمد الأمين، فضحك الطبيب كيف تسمي ابنك المسيحي هذا الاسم، انهارت ولم تصدق، لكن بعد تحريات السفارة والأمن المصري، اكتشفوا أنه فعلا مسيحي وأنه أصلا متزوج ولديه أبناء، لجأت للسفارة لتسجيل ابنها فرفضت هذه الأخيرة لأن زواجها أصلا باطل، السلطات المصرية رفضت تسجيل الابن، والكنيسة طلبت منها الدخول في المسيحية وتتولى الكنيسة تطليقها وتزويجها من رجل تقترحه الكنيسة يتبنى الولد، لأن زواجها باطل في نظر الكنيسة كون زوجها عدد، لم تجد سمية من حل سوى رمي ابنها أمام عائلة زوجها واللجوء للجزائر،..الجد رفض استقبال الحفيد ولم يجد محمد الأمين سوى جار يكفله مؤقتا حاليا... * ويلعب يوسف بلهامل القنصل الجزائري في مصر، دور المرشد الاجتماعي في مثل هذه الحالات، حيث يستقبل الفتيات القادمات من الجزائر، ويقدم لهن نصائح كثيرة، كما يعرض عليهن تجارب أخريات سبق له وأن حل لهن مشاكلهن، كما يروي لهم كل تلك المشاكل والعوائق، والتي قد تقضي على هذا الزواج، تتم هذه الدروس عبر جلسات فردية مع الفتاة، كما يطلب منها أن تعرفهم على الشاب ويعطيه أيضا رؤية واسعة عن تلك المشاكل، بعيدا عن مسؤوليته كقنصل،..من جهة أخرى تقوم مندوبة الجالية بالقنصلية السيدة دليلة أبو العينين دور الأم، حيث تعطي لهن نصائح كثيرة وتروي لهن قصصا حول المشاكل التي عانتها فتيات قبلهن خاصة في حياتهن الزوجية، وما قد يصيبها أو بالأحرى ما سيصيبها بعد أشهر فقط من الزواج، لكن تذهب كل نصائحهم هباء،...دور هذان الشخصان لم يكن وحيدا بل تعمل القنصلية طيلة أيام الأسبوع من خلال القنصل، دليلة، فريد، رزقي، وآخرون، وفي كثير من الأحيان السفير الجزائري عبد القادر حجار شخصيا،..وأكد المصدر ذاته من القنصلية أن نسبة 99 بالمائة من مشاكل الجالية التي تحل على مستوى القنصلية تعود لحالات الطلاق بين جزائريات ومصريين. * تمزيق وسرقة جواز السفر، الاعتداء عليهن، وتشغيلهن خادمات * لعل من بين أهم مشاكل ومسببات الطلاق التي اشتركت فيها كل الحالات التي ذكرناها والتي لم نذكرها أيضا، هو تصرفات الأزواج، حيال زوجاتهم الجزائريات، فأول ما يقوم به الزوج هو سرقة جواز سفر زوجته، كي لا تهرب من البيت، وحين يعرف أو يحس أنها تبحث عنه أو أنها تريد العودة لأرض الوطن، يقوم بتمزيق الجواز، ولا يكتفي بهذا بل يضربها، بأبشع الطرق،..نعيمة، نادية، صبرينة احتجزن في منازلهن وتم الاعتداء عليهن، لأنهن أردن العودة، أحلام التي تمتلك محلا تقوم بتأجيره لإعالة عائلتها، يضربها المستأجر أمام أعين زوجها دون أن يحرك ساكنا،..هؤلاء وأخريات تصرفت السفارة في طريقة إرسالهن للجزائر، بوثيقة سفر دون الجواز،..حالات أخرى تم استخدام الجزائريات فيها كخادمات سواء في البيوت أو الحقول خاصة اللواتي تزوجن من أبناء العزبة، الصعيد وريف مصر الكبير.. * * المهر 10 دينار..والجهل جوهر المشكل * من طرائف القصص التي سمعناها، في القنصلية أو حكينا مع النساء أنفسهم، هو قبول إحدى الفتيات الزواج بمهر 10 جنيه مصري، مبلغ وكما قال لها المحامي أنه صالح فقط ل"علبة علكة" وهي تعتقد أن زوجها كريم وسخي جدا لدرجة أنه أعطاها هذا المبلغ الكبير، وقصدت السفارة حين طلقها للحصول على المؤخر الذي كان 9 جنيهات، كون المقدم جنيه مصري، فقال لها المحامي أنا سأعطيك المبلغ دون اللجوء للقضاء كونه لا يعد أصلا مبلغا، والكارثة هذا المهر موثق وقانوني تم بسبب جهل المعنية، طبعا هذا الخبر كان كالصاعقة عليها، ولم تجد من حل سوى قبولها بالواقع المرير، وتعود مثل هذه المشاكل لجهل الفتيات بالعملة المصرية وقيمتها، ولبراءتهن وتصديقهن كلام الحب الذي يطلق له العنان الشاب المصري.. * * من المتسبب في الظاهرة..؟ * هذا السؤال سمعناه عدة مرات يتردد في القنصلية وأطلقناه نحن بدورنا عليها، وعلى كل الفتيات اللواتي تحدثنا إليها، العديد منهن اجتمعن على جهلهن في الحياة، وأنهن صدقنا كلام الأزواج الذي كان "يقطر عسلا" على قولهن، لكن المشكل الأكبر هو نفاق الأزواج، تتزوج به ولسان حاله يقول لم يسبق لي الزواج، فتكتشف أنها زوجة ثانية أو ثالثة، لدي بيت في القاهرة سيكون باسمك فتكتشف أنه يسكن في صعيد مصر رفقة عائلته وأنها مضطرة للعمل في الحقول من أجل كسب قوت يومها، مسلم متدين فتكتشف أن زواجها باطل من أساسه،.. غير أن سؤالنا الذي طرحناه ولم نجد له إجابة كيف يعقل بعائلة جزائرية أن تسمح لابنتها بالزواج من شاب لا تعرف عنه سوى جنسيته المصرية، وكيف تسمح لها بقراءة فاتحتها عبر الأنترنت، وتشارك في جريمة سيكون لها الأثر الكبير على أولادها، تشريد عائلات، وتحميل السلطات مسؤوليات تفوق قدرتها وطاقتها وصلاحيتها، تجعل منها أحيانا تشتغل فوق القانون، ولو توقف الأمر هنا لكان أرحم، لكن أن يدخل هذه المغامرة دعاة وعلماء ويكون مصيرهم مشابه للباقي، فلعل هذا أسوأ شيئ..