تحب وزارة الثقافة العمل وفق قوانين مصادق عليها من طرف الهيئات التشريعية الجزائرية، لأن ذلك يخول لها العمل بكل حرية و”الغرف” بكل قانونية. المرسوم التنفيذي الأول المتعلق بالمخطط الدائم لحماية قصبة الجزائر الصادر سنة، 2005 غير أن المراسيم التنفيذية غير كافية، وبالتالي لابد من وجود قانون بالكامل، وهو القانون الذي دافعت عنه حتى المصادقة هذه السنة.. وكانت قبل ذلك قد تحصلت على مجموعة من المبالغ لمعالجة الأضرار التي خلفتها العوامل الطبيعية، مثل تسرب المياه. كما ستنتقل من القصبة العاصمية إلى قصبات قسنطينة، دلس، بجاية والقصور الموجودة في الجنوب، وعددها 19 قصبة. تضم القصبة اليوم 1500 بناية، تعود إلى القرن الخامس والسادس عشر خاصة بالفترة العثمانية التي أبدعت في النسيج العمراني التاريخي لمدينة القصبة. لعل واقع القصبة اليوم يتطلب مخططا استعجاليا لإنقاذها من مختلف التأثيرات، لاسيما أشغال الميترو والأمطار الغزيرة التي عرفتها مدينة الجزائر مؤخرا. يوضح عبد الوهاب زكار، أن العمل بالمخطط الاستعجالي للحفاظ وحماية القصبة سيبدأ في القريب العاجل، ويتضمن المخطط الذي كان عبارة عن دراسة بدأ العمل عليها منذ سنة 2007 وتم تقديمها سنة 2010. في ذات السياق، يرى باباسي أن ”كل الوسائل التقنية والأمنية جاهزة للتدخل المباشر في هذا النسيج المتعلق بالقصبة والذي نطمح إلى إنقاذه، حتى لا يورث للأجيال القادمة كوصمة عار تؤكد عدم مقدرتنا على الحفاظ عليها، ولتأكيد أن الجزائر تستطيع العناية جيدا بموروثها الأثري والذاكرة الجماعية للبلد”. وقد تم عرض المشروع من طرف وزيرة الثقافة يوم ال22 من الشهر الجاري، وهو مكسب للجزائر قبل أن يكون مكسبا لمؤسسة القصبة، غير أن العمل يجب أن يبنى بالتواصل مع المواطنين، خاصة منها ما تعلق بالإجابة على انشغالاتهم. القصبة تعاني أكثر من أي وقت مضى، حيث تسبب تساقط الأمطار الغزيرة في الفترة الأخيرة في هدم بعض جدران البيوت، منها الجدار الذي سقط في شارع عايشة رحموني في قلب القصبة، وتم إنقاذه بواسطة ألواح خشبية لكنه يبقى شيئا مؤقتا. ومع توسيع مشروع الحفاظ على القصبة توصلنا إلى إحصاء 1800 بيت يمكن الحفاظ عليه، لكن الرقم غير محدد لأن الأشغال مستمرة. ولعل مخطط حماية القصبة قدم لوزارة الثقافة شهر أفريل من سنة 2011 ولم تقم الوزيرة بعرضه على الحكومة إلا يوم 22 من الشهر الجاري.. لتبقى أسباب تأخر المشروع مجهولة، مشيرا إلى أن الألواح الخشبية التي ستستعمل في ترميم القصبة ستكلف 90 مليار سنتيم صرف منها 60 مليار سنتيم. غير أن بلقاسم باباسي، يؤكد أن المشكل المطروح اليوم على مستوى القصبة أن هناك سرقة للألواح الخشبية للقصبة من أجل إعادة بيعها من طرف البعض، والبعض الآخر ينزعون الألواح من أجل تسريع عملية الانهيار لضمان الاستفادة من سكنات بأسرع وقت ممكن، وهو ما يصنف ضمن الأعمال الإجرامية!. في ذات الإشكال، يوضح عبد الوهاب زكار، أن الولاية لا يمكنها المس بأي منزل من منازل القصبة دون موافقة وزارة الثقافة تطبيقا لقانون 80/04. ولكن الكثير من المنازل دُمرت وعدد كبير من السكان تمت عملية إعادة إسكانهم، مع غلق منازلهم بالقصبة لكن مشكلة إعادة بيع مفاتيح المنازل بمبلغ 60 مليون دج، والسبب يعود إلى وجود مافيا بحي القصبة تعمل على المتاجرة بمنازل هذا الحي العتيق، وهناك من يشتري لأنه يعرف تماما أن القصبة لو رمّم ولو نصفها ستجلب أضعافا مضاعفة من المال، بالرغم من وجود نص قانوني يمنع التصرف في بيوت القصبة. وبالتالي لا بد من شرطة القصبة ربما؟؟؟ من أجل حراسة مشدّدة على هذا الإرث الحضاري لمنع المتاجرة به. القصبة استهلكت الكثير من السكنات ولاتزال تستهلك رغم خروج معظم سكانها والسبب عملية كراء بيوتها للقادمين من ولايات أخرى، وبالتواطؤ مع جهات مجهولة بمصالح معينة يصبحون ملاّكا ويستفيدون من سكنات.. وهكذا دواليك. أما عن خطر الميترو؛ فيقول عبد الوهاب زكار:”إلى حد اليوم لا يحتمل وجود أي خطر على القصبة جراء أشغال الميترو، لكن يبقى خطر الاهتزازات قائما على المدى البعيد، لكن المؤسسة قدمت ضماناتها اللازمة، وعليه فكل مكونات الحفاظ على ما تبقى من القصبة متوفرة”. قانون 80/04 الخاص بالتراث، ينص على دراسة كل مشاريع الحفاظ على التراث مرورا بثلاث مراحل، وتقديم تقرير شامل يضم كل المخططات والمعلومات التاريخية الضرورية، والقيام بمسح شامل لمنطقة القصبة. هناك 19 مكتب دراسة يتكفل بأشغال الصيانة، 153 مؤسسة جزائرية عملت كلها بالتعاون مع شبان القصبة الذين ساهموا في عملية التحسيس داخل بيوت هذا الحي العتيق، عن طريق التواصل مع خلية الإصغاء المتواجدة بدار عزيزة، حيث استقبلت 140 ملف عائلي بين مؤيد لمشروع إعادة الترميم، وموافق على استبداله بسكن جاهز أو بيعه للدولة. البداية ستكون مع البيوت الأكثر تضررا، حيث يتم ترحيل سكان القصبة إلى سكنات توضع تحت تصرف المشروع، حيث طالبنا ب 1307 مسكن بعدها نعيد للدولة 714 مسكنا، لأنه سيعاد بناء داخل القصبة منازل على الطراز القديم، وتم توفير 30 ٪ من هذه السكنات. الأشغال ستنطلق هذه السنة بعد ثلاثة أشهر،وخلال سنتين أو ثلاثة سنبدأ في رؤية نتائج مشروع ترميم القصبة. منازل القصبة مشيدة على الطريقة العثمانية واستعمل في تشييدها التراب، الجير، الآجر المطهو في درجة حرارة لا تتجاوز 600 درجة، والآجر المستعمل اليوم تبلغ درجته 1100 درجة، بالإضافة إلى خشب العرعار داخل الجدران لأنه مقاوم جيد. وعليه فالجدران بسمك على الأقل 50 سم، لكن عدوه الماء. السقف أيضا من خشب العرعار زائد 30سم من التراب لحماية البيوت من الحرارة والبرودة. والترميم يستدعي نفس المواد، ولتوفيرها يجب التعامل مع الحرفيين المختصين، ما عدا مشكل خشب العرعار المتوفر إلا في غابات كل من تيسمسيلت، المدية، مليانة، وهي محمية، لذلك يتطلب الأمر حملة وطنية لإعادة غرس الأشجار حتى نتمكّن من الاستفادة مما هو موجود. وعليه من خلال كل هذه المعلومات التي قدمها بلقاسم باباسي وعبد الوهاب زكار، علينا أن نعرف رأي المهندسين القائمين على عملية الترميم. حليم فايدي، مهندس معماري مصمم متحف الماما ومقر وزارة الخارجية الجديد، يتحدث ل”الفجر” عن مشكلة القصبة فيقول: ”مشكل القصبة حاليا يتعلق بتمدينها وكيفية التعامل مع مخلفات الحياة الاجتماعية مثل النفايات، وكذا مشكل بناء مساكن جديدة بدل التي دمرت. القصبة اليوم في طريقها إلى الزوال وحتى مع مشروع الحماية الذي تعمل عليه وزارة الثقافة لا يمكن تأمل الشيء الكبير. الإدارة بإمكانها التدخل لإيقاف ما يحدث داخل القصبة، حيث شيّدت العديد من المنازل على طراز حديث مكان التي تهدمت ولم تتدخل السلطات لمنع ذلك. لا يوجد أي عذر للسلطات في ادعائها بأنها لم تتمكّن من التعامل مع أصحاب البنايات غير القانونية داخل القصبة. وعليه من المستحيل إعادة بناء الجزء الذي دمر من القصبة، وما هو مطلوب اليوم هو الحفاظ على المنازل المتواجدة في هيئة صالحة للترميم، وتشييد مكان التي دمرت منها حدائق مثلا، نافورات، وغيرها من الفضاءات التي تمنح وجها آخر للقصبة. أنا مع مشروع تمدين القصبة بالحفاظ على ما تبقى وإضافة أشياء تكميلية لمحيطها، كالكهرباء والغاز الطبيعي وغيرها، ويجب أن تدخل أساليب العيش الحديث داخل القصبة مع الحفاظ على طابعها المعماري العتيق. لهذا الوقت الذي استغل في بحث الحلول الناجعة للقصبة كلّف سقوط العديد من المنازل، والدليل قانون حماية القصبة الذي استغرق مدة سنة لتفعيله. الاهتمام بتفاهات الأمور والبحث عن خبرات أجنبية هو الذي أخّر مشروع ترميم القصبة، في حين أن الجزائر تحتكم على الإمكانيات والطاقات المتمكنة. وفي الأخير يمكننا القول إن الطاقم الوزاري للثقافة الحالي لم يقدم أي دفع لمشروع الحفاظ على القصبة وننتظر أن تحقق الوزارة القادمة ما عجزت عنه الوزارة الحالية”.