لم تبطل المواد القانونية التي أقرتها الحكومة قبل عامين، دعاوى استرجاع المعمرين الفرنسيين أملاكهم التي خلفوهم ورائهم عقب الاستقلال، بعدما دخلت القضايا أروقة المحاكم الجزائرية خلال السنوات الأخيرة كانت الغلبة لهم. واهتدت السلطات الجزائرية إلى حل يحفظ للجزائريين أملاكهم ويضع حدا لأطماع المعمرين والجهات المتواطئة معهم، قبل سنتين، من خلال المادة 42 في قانون المالية التكميلي لسنة 2010، حيث تبطل كل القرارات الإدارية والقضائية السابقة التي استفاد منها قدماء المعمرين الفرنسيين أو وكلاؤهم في الجزائر في السنوات الأخيرة، وتمنعهم من استرداد أملاكهم السابقة، كما تنص على عقوبات بالحبس من سنة إلى 3 سنوات بحق كل شخص أو جهة توفر غطاء قانونيا أوتساعد في تحويل تلك العقارات خارج ملكية الدولة. واعتقد الجزائريون طيلة أربعة عقود أن قضايا استرداد أملاك المعمرين الفرنسيين المزعومة قد طويت نهائيا، خصوصا بعد مطالبة باريس بالتعويض لمعمريها طبقا لاتفاقية إيفيان، حيث لبت الجزائر هذه المطالب مرتين في الستينيات والسبعينيات، ليفاجئوا منذ سنة 2004 بإعادة عدد من المعمرين فتح هذا الملف من خلال اللجوء إلى المحاكم الدولية، ورفع أزيد من 6 آلاف قضية على الحكومة الجزائرية للتعويض عن أملاكهم، وكذا رفع دعاوى أخرى أمام المحاكم الجزائرية لطرد شاغلي أملاكهم السابقة وإعادتها لهم. وفي هذا السياق ربح قبل سنوات معمر فرنسي سابق دعوى ضد هيئات عمومية تضم مقر الخطوط الجوية الجزائرية وديوان الثقافة والإعلام ومطبعة عمومية، مستغلا افتقار هذه الهيئات إلى عقد ملكية للبناية بعد أن منحت لها الدولة قرارا إداريا بسيطا لاستغلالها. ويستغرب حقوقيون جزائريون متابعون لهذا الملف كيف لمعمرين فرنسيين أن يستعيدوا أملاكهم السابقة وبموجب أحكام من العدالة الجزائرية والجزائر على بعد أسابيع من الاحتفال بخمسينية الاستقلال؟؟ فعوض أن تقدم فرنسا المستعمر السابق للجزائر تعويضات عن احتلال البلد واستغلال أراضيه وأملاكه بطريقة غير شرعية ونهب خيراته وثرواته والتنكيل بسكانه.. يحدث العكس. وكانت الحكومة في عهد الرئيس الراحل أحمد بن بلة، أصدرت قانونا ل”الأملاك الشاغرة” ينص على ملكية الدولة الجزائرية بعد مرور عامان كاملان ولم يعد أصحابها الذين تركوها. وفي 5 جويلية 1964، أصبحت معظم أملاك المعمرين ملكا للدولة الجزائرية طبقا لهذا القانون، وبموجبه أيضا منحت لشاغلي هذه الأملاك من الجزائريين عقود ملكية، بينما اكتفت بمنح قرارات إدارية لمؤسسات وإدارات عمومية باستغلالها.